عندما أعلن عن ولادة قناة ثقافية في بلد تكتظ بالمثقفين والعاملين في مجالات الثقافة المختلفة سعدت وفرحت وخفت أن يكون هذا مجرد حلم يتبخر مع صياح الديك الذي تصر والدتي - حفظها الله - على بقائه في البيت.
والآن وبعد هذه الشهور من البث الذي أتحفتنا به هذه القناة دعوني أقول لكم وبكل ثقة (خير اللهم اجعله خير) لقد كان كابوسا!.
ما هذه القناة الصادمة؟ هل هي قناة تدريب يمارس فيها الشباب تنمية قدراتهم الإلقائية والحوارية؟ حقيقة أمر مؤسف أن تجلس سيدة لا أحد يعرفها ولا تملك أدوات الحوار ولا تحسن الحديث وتجادل كاتباً روائياً شهيراً بحجم عبده خال وبطريقة تقليدية مملة محاولة فرض وجهة نظرها في كل سؤال تطرحه وكأنها هي محور اللقاء، كانت طريقتها في طرح الأسئلة وفي المناقشة مملة ومع احترامي الشديد لها كانت تتصنع المعرفة وتبحث عن كلمات ثقيلة من القاموس العربي كي تثبت للمشاهد أنها مثقفة وأكثر علما من الضيف!
من الذي أجرى اختبارات لهؤلاء المذيعين؟ - لو اعتبرناهم مذيعين - وما هي المقاييس والمعايير التي وضعت لقبولهم؟ ومن الذي سمح لهم بإدارة برامج حوارية بهذا الحجم بعضها على الهواء مباشرة؟!!
أحد المهتمين بهذه القناة وهو أستاذ في اللغة العربية قال إن ضعف بعض مقدمي البرامج في اللغة العربية أساء لها وللمثقفين.
هل هذا تقليل من شأن الثقافة والمثقفين في العالم العربي؟ أم سوء ظن بالمثقف السعودي؟ وهل يقبل مثقفو السعودية أن تمثلهم هذه القناة وهي بهذه الحال؟
ثم إن عدد البرامج الثقافية على قناة متخصصة بالثقافة قليل جداً ولولا أنها تحمل هذا الاسم المعني بالثقافة لكانت قناة وثائقية بامتياز لكثرة البرامج الوثائقية التي تعرض عليها بالإضافة إلى سباق الخيول الذي لا علاقة له بالثقافة لا من قريب ولا من بعيد!.
البرامج الحوارية أقل من عادية لا توجد بها أية أفكار جديدة (مذيع وضيف) أو(مذيع وضيوف) يجلسون في استوديوهات توحي لك بأنها من استوديوهات الستينات أو السبعينات طريقة التصوير بدائية لا يوجد بها أي ذرة من الحداثة وكأن هذه القناة من أفقر قنوات العالم! يخيل إلّي في بعض الأحيان أن المخرجين والمصورين أيضاً متدربون!
وأنا هنا لا أهاجم القناة والعاملين بها لكنني أتألم وأتحسر عليها وأعتقد ومعي الكثير أنها أساءت لنا كمتابعين وأساءت للمثقف السعودي دون أن تشعر، فقد أساءت لنا حين خاطبت عقولنا بهذه السطحية وأساءت للمثقف السعودي حين تجاهلته ولم تشركه في إدارة وتقديم البرامج الثقافية ثم أساءت له مرة أخرى حين سلمت هذه القناة لمعدين ومذيعين ليس لديهم الكفاءة ولا الخبرة التي تؤهلهم لقيادة قناة بهذا الحجم وبهذا التخصص.
كم عدد المثقفين والكتاب والصحفيين والفنانين في المنطقة الشرقية والرياض وجدة والمنطقة الجنوبية وباقي مناطق المملكة؟ كلنا يعلم أنهم بالآلاف وكلنا يعلم أن هذه البلد متفوقة على باقي دول الخليج في هذا المجال، أليس من المؤلم والمؤسف أن يتم تجاهل كل هؤلاء؟ أليس من المؤسف أن تدار القناة الثقافية في بلد تعج بالمثقفين على يد متدربين لا علاقة لهم بالثقافة؟!
ثم أين هي من الأحداث الثقافية في الوطن العربي والعالم؟ أليس لديها مراسلون؟!
هناك من يقول إن القناة لازالت في بدايتها ويجب أن تعطى فرصة حتى تثبت وجودها وهذا خطأ لأن القناة الفضائية ليست دكاناً أو بقالة سيتم تزويدها بالبضائع التي يرغب بها المشتري هذه قناة فضائية تشاهَد في دول كثيرة وكان الأجدر بالمسؤولين فيها الاستعانة بالمثقفين أصحاب الشهادات العليا واختيار الكوادر المؤهلة والتأكد من أن البرامج التي ستبث ترتقي لعقل المشاهد المثقف وليست برامج (أي كلام)!.
أنا لا أستبعد أن معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة الرجل المثقف الذي نحبه ونقدره لو شاهد هذه القناة لمدة ساعتين متتاليتين فقط لأمر بإغلاقها!
كما أحسب أن علاقة الذين يديرون هذه القناة (بالثقافة) كعلاقتي بكرة القدم!!.
ولكي لا أكون ظالمة سأشكر معدّ ومقدم برنامج المنتدى الشاعر أحمد التيهاني والذي يعرض على القناة الثقافية، وإذا كان هذا البرنامج ناجحاً فلأن الذي يعده ويقدمه مثقف من مثقفي السعودية وليس دخيلاً على هذا المجال.
أيضاً أدعو المسؤولين في القناة الثقافية من باب الحب الذي أكنه لها أن يتعلموا من تجربة (القناة الإخبارية) السعودية والتي تفوقت على قنوات عربية كثيرة من حيث المذيعين المثقفين اللبقين والبرامج الجميلة الهادفة والاستوديوهات الراقية والتصوير والإخراج الرائع وأنا عن نفسي أقف احتراما وإجلالا لهذه القناة الفتية التي استطاعت أن تجذبني رغم هذا الكم الهائل من القنوات العربية والأجنبية المنافسة.
دبي