طوال فترة عمل أخي د. عبدالعزيز بن محمد السبيل لم أكتب عنه أو عن أعماله وإنجازاته، لأن مثل هذه الكتابة لن يقرأها البعض على وجهها الصحيح النقي رغم أنه لم يكن هناك تواصل عمل بين وكالة الشؤون الثقافية وبيني، فلا أذكر أنني طلبت منهم شيئاً أو طلبوني أمرا.
الآن يحق لي أن أكتب عن (أبي حسان) صديقاً محباً ومسؤولاً متفانيا. من يعرف الرجل قبل تكليفه بعمله الرسمي يجد أنه لم يتغير بكل صفاء نفسه، ودماثة خلقه وجميل تعامله.. مع أن العمل الذي تقلده قادر على أن يغيّر الكثيرين، وبخاصة أنه يتعامل مع أصحاب قلم ولسان، وبعضهم (( ذوو ألسنة حداد، وأقلام شداد) لكن كان (السبيل) الرجل الذي تعامل - بود - مع كافة الأطياف في سبيل تحقيق (منجز ثقافي) يخدم المثقف، ويرفع من شأن ثقافة الوطن.. وقد نجح كثيراً في حدود الإمكانات المتوفرة، وفي ظل المناخات المتباينة.. لقد حاول أن يمسك (بالعصا من الوسط) ودعوني أقول (بالقلم) فهو أقرب إلى مثل هذا العمل.. وهو إن لم يحقق كل ما يريد، لكنه أنجز واجتهد وتفانى بل وعانى، لكنه كان صابراًًًً طوال سنوات عمله فما دام ارتضى هذا العمل كان لابد أن ينمى وروده، ويصبر على أشواكه. لقد كنت أشعر بمعاناة العزيز/ عبدالعزيز وإن كان لا يبدي ذلك.. ولكن ما يربطني به من محبة يجعلني من خلال الأحاديث والتواصل أحس بذلك.. ومع كل هذا كان يداري هذه (المعاناة) لينجز لثقافة وطنه، ويبقي له (بصمة) في هذا المنجز ليس من أجل نفسه وإنما أداء للأمانة، وخدمة للثقافة وإلا فهو أبعد ما يكون عن أي مكسب شخصي أو ادعاء ذاتي.. بل إنه يكره كل هذه البهارج.. وأذكر مرة أنه كتب لدينا (بالمجلة العربية) مقالاً طلب مني أن أضع اسمه بدون ألقاب.. وكأنه سيشعر أن هذا المسمى أضحى يساوي بينه وبين من أخذ هذه الشهادة (بورق جيبه) ومن أخذها (بعرق جبينه) حتى لقد هانت الشهادات العليا من (دكتوراه وماجستير))، ما علينا أعود إلى عزيزنا د. عبدالعزيز.
لقد ترك الرجل مكانه ولم يترك مكانته.. وقد سمعت ولمست ذلك خلال الأيام الماضية سواء من خلال ما تم نشره أو مما سمعته من كثير من الناس عن هذا الرجل عملاً زاهياً وتعاملاً صادقاًً.. وهذا هو ما بقي لك - أبا حسان-.
لقد غرست الخلق الجميل وأبقيت الذكر الجميل، ولقد حاولت أن تجعل (نبل الخلق والتعامل) هو ما يوجه ويجمع بين أطياف المثقفين بمختلف خطاباتهم، وقد حققت قدراً كبيراً من النجاح.. وإن خذلتك بعض أطياف من المثقفين الذين يعجبونك عندما تقرأ لهم، ولكن تتعجب من تصرفاتهم عندما تتعامل معهم وعذيرك أنك بذلت واجتهدت وأنجزت كثيراً من الآمال التي رفعت سقف تطلعاتك إليها، وعذيرك فيما لم يتحقق رؤية الشاعر حافظ:
لا تلم كفي إذا السيف نبا
صح مني العزم والدهر أبى
وبالنسبة لك فقد أبى الدهر في بعض الإنجازات ولكنه طاوعك في الأكثر منها.
وبعد!
ها أنت تعود إلى دفء عطائك الثقافي بعد صقيع عملك الثقافي، ترجع إلى هدوء ذاتك بعد الصخب الذي جرتك إليه تبعات عملك، وحسبك أنك - كما قلت لي - كنت تتلقى التهاني بعد هذا (الطلاق) الذي سعيت إليه حتى أخذت
(ورقته) مرتاح البال مستريح الضمير، وما أصدق ما وصفك به النبيل د/ عبدالله الغذامي عندما قال مودعاً صديقه د. السبيل: (إنه سفك دم قلبه من أجل الثقافة وإن تركه العمل علامة إخلاصه وصدقه)، وقد صدق.
ودعني - أخيراً - أخاطبك بما خاطبت به معالي أخي د. علي النملة بعد أن ترجل من كرسي الوزارة إلى عرش الكتابة مستشهداً بذلك الشاعر الذي يبدو أنه هو الآخر ضاق بشؤون الإدارة، فعاد سعيداً إلى عالم الوراقة:
(من مخبر القوم شطّت دارهم ونأت
أني رجعت إلى كتبي وأوراقي
عِفْتُ الإدارة حتى ما ألمَّ بها
وقد رددت إليها كلّ ميثاق
لأنها جشّمتني كل نائبة
وأنها كلّفتني غير أخلاقي)
مزيداً من العطاء - أبا حسان - فكما أحسنت سابقاً بعمل إداري قد يزول فسوف تحسن إن شاء الله بعطاء ثقافي لا يحول.
الرياض