إعداد: محمد المنيف
تحدثنا في الحلقة الأولى عن المرأة كمصدر الهام في الفنون التشكيلية، واشرنا باختصار إلى بعض النماذج من الأعمال لعدد من الفنانين العالميين أو العرب، وكيف كانت المرأة جزءا مهما في أعمالهم مع أننا أغفلنا الكثير من اللوحات التي لا يسمح المجال لنشرها أو الإشارة إليها، كونها تتعلق بجوانب تفاصيل جمالية لم تحظى بالانتشار أو الاهتمام في وقتها ولا في المراحل اللاحقة من مسيرة الفنون التشكيلية المعاصرة حتى يومنا هذا، وبقيت الأعمال المتداولة التي تظهر دور المرأة في الحياة الأسرية والعامة ودورها في بناء المجتمع والحضارة والصناعة. وفي هذه الحلقة سنستعرض وبإيجاز حسب ما تسمح به المساحة عن دخول المرأة للساحة التشكيلية في فترات تاريخية بعيدة شملت عصر النهضة إلى بداية القرن العشرين وما تبع ذلك من حضور مكثف في الفترات الحديثة، وصولا إلى مرحلتنا الحالية وما طرأ على الفن التشكيلي من قبل الفنانات النساء ان صح التعبير.
المرأة التشكيلية في مراحل تاريخية
نعود ونذكر ونكرر القول بإن ليس هناك فن نسائي أو رجالي ولهذا نلتمس العذر حينما نقول الفن النسائي أو فن المرأة عودا إلى كونها المنفذة مع احتفاظنا بحقها كمبدعة لا تقل بأي حال عن الرجل ان لم تكن أكثر حرصا واهتماما منه بإبداعها، كما نشير إلى أن كلمة الريادة هنا هي بالفعل الصفة التي استحقها من سنتطرق إليهن فقد حققن ريادة التأسيس عالميا بالمنافسة مع الرجل في مرحلة لم يكن لها القدرة على المنافسة نتيجة كثافة الفنانين الرجال وفي مختلف المراحل التي سنمر بها ونستشهد بأسماء الرائدات فيها.
وإذا عدنا إلى الوراء قليلا كما هو موثق بالكلمة واللوحة في متاحف العالم وفي الكتب التي رصدت تلك البدايات والمراحل منها ما يذكر أنه لم يكن للمرأة حضور قبل عصر النهضة خصوصا لمثل هذه المجالات بل كانت اقرب للأعمال الحرفية كالاهتمام بالمشغولات أو المنتج النفعي كالحياكة والتطريز، كان من بين المحترفات لهذه الأعمال (ايفليفث) التي كلفها الملك (غودريك) عام 1066 لتعليم ابنته الحياكة كما نجد أيضاً بروزا للحائكة (مابك) التي اشتهرت بين عامي 1239 و1241م وخلافها، إضافة إلى انشغال المرأة في أمور حياتها الأسرية في عصر إقطاعي يركز بشكل تام على الزراعة والمسائل الدينية وبعض التجارة فقط ومنهم من رصد حضورها في عصر النهضة ما بين القرن الخامس عشر إلى السابع عشر وهو العصر الذهبي للفنون والآداب والعمارة والهندسة سنتمكن من خلاله من معرفة هذا الحضور المبكر للمرأة في هذا الإبداع بوصفهن رسامات في وقت لم يأخذ الاسم الشامل والحديث وهو الفنون التشكيلية مكانته أو موقعه في التسمية كما هي الحال اليوم عند الحديث عن هذا الفن، فقد جاء عصر النهضة الذي انطلق في البحث والكشف الجغرافي والتعرف على شعوب ومناطق أكسبت الناس فهم التعامل مع الحياة واستغلال العقل والفكر الإنساني، ولكون عصر النهضة جاء خلاصة متدرجة لمراحل من العصور الوسطى بتفهم متتابع لقبول التغيير من اعتماد على الزراعة إلى عالم المدنية والتطور والازدهار ومنها نشوء الثورة الفكرية في إيطاليا باسم (الحركة الإنسانية) وتعني الربط بين المفاهيم الدينية والدنيوية والجوانب الإنسانية لتظهر ثمار هذا التطور الإنساني في مختلف نواحي الحياة مثل الفن والأدب منح الفنانين (الرسامين) دورهم ومكانتهم ابتداء من رؤيتهم المتحررة بفنهم نحو الطبيعة والحياة بكل عناصرها البيئية والاجتماعية والبشرية كما هي العمارة وهندسة البناء، فحظيت المرأة بنصيبها من هذا التطور وانبعاث الفنون والاهتمام بها، ومنحت المرأة فرصة الحضور والمساهمة واثبات القدرات على الرغم من زحف الرجال الذين كانوا المهيمنين على هذه الفنون في تلك المراحل والفترات التاريخية ومنهم على سبيل المثال ليوناردو دافنشي في عام 1452م الذي يشكل أحد أهم رموز عصر النهضة.
أسماء رسمت تاريخ المرأة التشكيلية
ذكرنا أن عصر النهضة كان العصر الذهبي للإبداعات الإنسانية ومنها فنون الرسم والنحت والحفر وكان مجالا رحبا للمرأة للإبداع مع أن هناك من يقول إن للمرأة أعمالا في الفترة السابقة لم احصل منه خلال إعدادي لهذه الموضوع إلا على اسم النحاتة (بروبيز) مع ما انوي القيام به لاستكمال البحث الشامل الذي قطعت فيه شوطا لا بأس لنشره في كتاب - بإذن الله - ولهذا اكتفي في موضوعنا الموجز بذكر نماذج سأختار لها فنانة من كل مرحلة مما رصد في عصر النهضة وما تلاه من مراحل إلى يومنا هذا، منهن النحاتة بروبيزيا دي روسي عام 1490م التي لا تقل بإبداعها عن النحات رفائيلو، بل تشكل ثنائي كبير في مستوى الدقة والقدرة على السيطرة على الحجر بكل أنواعه كما وثقت العديد من أعمال بعض الرسامات مما تم رصد إبداعهن من خلال ما تبقى من أعمالهن عند تجار اللوحات التي تحولت إلى بعض المتاحف أو بقائها في القصور التي امتلكتها الحكومات منهن الرسامة كاتررينا فان همسن 1548م التي تعتبر أعمالها ولوحاتها أول مشاركات نسائية وتحتفظ المتاحف بالمستندات والوثائق التي تؤكد حضورها في هذه الفترة من عصر النهضة، ليستمر دخول الرسامات في الفترات اللاحقة ومنهن على سبيل المثال سوفونيسبا عام 1555م والرسامة ماريا سيلامريان1697م والرسامة ماري ان اليزبث فيجيه عام 1757م التي تعتبر ابرز الرسامات المصورات في القرن الثامن عشر استطاعت ان تكسب رضى ومحبة الملكة ماري انطونيت تزوجت من تاجر لوحات وكانت عضوة في أكاديمية جوزيف فرنية، والرسامة ميبرت موريس عام 1897م والرسامة سوميا دولوني عام 1977م. إلى آخر المنظومة الطويلة من هذه الأسماء التي يمكن لنا استعراض بعض أسمائهن دون تحديد فترة ظهورهن مع الإشارة إلى ان هذا الحضور يقع في فترة عصر النهضة ما بين القرن الخامس عشر والسابع عشر، ومنهن ماريا روبنسي، لا فينا فونتانا، جوديت لا يستر، راشيل روسيش، روز ابيلا كاريرا، ارليد لا بيل جويارد.
هذا المد تواصل إلى أن حققت المرأة دورها في الفنون لتشكيلية وازداد حضورها وإبداعها في القرن العشرين وتبدلت مفاهيم الرسم والتصوير والنحت تبعا لتبدل الحياة وتطورها سنسلط الضؤ عليه تباعا في الحلقة القادمة.
monif@hotmail.com