قال لي أستاذ جامعي اشتهر كواحد من قدامى الصيادين: أتعرف الغراب؟
قلت: أليس هوّ ذلك الطائر الأسود اللون، والذي يسمى صوته بالنعيب؟
قال: أتعرف ماذا يحدث حين يطلق الصياد النار من بندقيته على غراب من الغربان؟
قلت باستنكار: هذا سؤال لا يوجه إلى كاتب مهمته صيد الكلمات والأفكار لا صيد الغربان.
قال: أين خيالك؟ حاول أن تجاوب.
قلت: حين يطلق الصياد النار على الغراب، فإمّا أن يصيبه، وإمّا أن يخطئه.
قال: وإذا أطلق الصياد النار على الغراب، وأصابه فقط بجرح يرغمه على السقوط أرضاً، فهل تستطيع تخيّل ما سيجري؟
قلت: الصياد لديه حلان، إمّا أن يطلق النار مرة ثانية على الغراب ويقتله، وإمّا أن يركض نحوه ويمسكه وهو جريح حي.
قال: جوابك صحيح، ولكن الصياد ما إن يهرع نحو الغراب الجريح لإمساكه حتى ينعب الغراب بأقصى ما يملك من قوة مستنجداً. أتعرف ماذا يحدث عندئذ؟
قلت: سيهرع متعهدو الحفلات الفنية إلى الغراب للتعاقد معه على إحياء حفلات غنائية في لندن أو باريس.
فقال لي الصياد: تكلم بجدّ.
قلت: سيصاب رأس الصياد بالصداع الشديد، ويركض كالعاصفة إلى أقرب صيدلية.
قال: إليك ما سيحدث فعلاً: ما إن تسمع الغربان استغاثة رفيقها الجريح حتى تسارع إلى التجمع في الفضاء وتندفع نحوه لحمايته غير هيابة، وتصبح متوحشة شرسة أكثر من صقور جائعة، وتمنع أي صياد من الاقتراب من رفيقها.
وتكلم الأستاذ الجامعي الصياد مطولاً، ولكني لم أسمع كلمة مما قاله لأني كنت غارقاً في تفكير غايته إيجاد جواب للسؤال الآتي: لماذا لا ينبذ الإنسان العربي الحياء قليلاً ويقلد الغربان ما دام مطوّقاً بجحافل من الصيادين الراغبين في قتله؟
لندن