الروائي والقاص عبدالعزيز الصقعبي شغل دائماً في مقاربات السرد بين شخصية وأخرى، إذ ظل مولعاً في اقتفاء بناء الشخصيات، وتدوير أحداثها، وتتبع منعرجات خطابها، وبث عناصر التشويق اللازمة فيها، والتعريف بكل شخصية على حدة، لكي تكون محورية في تكوينها، وتتوازى مع الطروحات الفنية الأخرى.
فرواية الصقعبي الجديدة جاءت بعنوان (حالة كذب) وأفرد فيها للشخصية الأولى وجوداً، هائلاً ومساحة شاسعة من الصخب البديع، بل جاء التواتر الحكائي في الرواية مبنياً على هذه العلاقة التي يقيمها البطل مع الراوي دون أن يتداخل كل واحد بالآخر.
فما أن ينتهي الراوي في رواية (حالة كذب) من قضية إلا ويبدأ بأخرى وفق آلية سرد محكم يستهلها الصقعبي ببناء علاقة إنسانية أولى مع بيئة العمل الذي كلفه بأن يقوم بهذه المهمة الوظيفية حتى التي تسوغ له البوح من خلال انبعاث هذه الفرصة السانحة لكي يغادر إلى البلاد التي دارت عليها جل فصول الحكاية.
فالمدينة المكان هي كوبنهاغن عاصمة الدانمرك؛ حيث يستجمع الراوي البطل خيوط اللعبة السردية متيقنا أن محور الحديث لا بد له أن يكون غامضا ومحفزا على الهجس والظن والتخمين، بل وعلى المفارقة الطريفة في الشبه الذي عمد الصقعبي على إشاعته في سائر تفاصيل روايته.
أما الشخصية الرئيسة أو البطل فينفرد فيها السيد منصور النبيل الذي تقاطعت رواياته الكثيرة للأحداث مع شخوص آخرين على نحو خميس ياسين ومذكراته التي أوردها الراوي على نحو غير عادي.
فضاء الزمان ظل محصوراً في أيام رحلة الراوي العملية، إلا أنه عمد وطوال السرد إلى استرجاع حقب لا بأس فيها من التاريخ حينما استحضر أيام ولادة البطل الآخر (خميس الياسين) الشبيه لمنصور النبيل، حيث ظل الكاتب الصقعبي في غاية الدقة والاتزان رغم خروج شخصية تعزز سلطة العقدة التي عني فيها والمتمثلة في شخصية (فيصل) التي تاق لتفاعل معها، محاولاً في هذا السياق بناء دائرة ثالثة حول الشخصية تتمثل في الضيوف الطارئين الذين قادتهم الصدفة البحتة ليكون معهم هذا المزيج الحدثي الآني في تفاصيل الرواية.
أما عنوان الرواية (حالة كذب) فقد ظلت فرصة للحدس والتخمين أن يقف مكمن الحالة غير الواقعية أو الصريحة حينما استهل الصقعبي عبارات الفصل الثاني من روايته بسؤال هام (أهو وهم.. ؟ قد لا يكون كذلك فذاكرتي تختزن ملامح وجه متعددة..) (الرواية ص8) فيما تختم الرواية على هذا النحو الاستطرادي في البحث عن الشخصيات التي رسمها الكاتب متيقناً من أنها ستخلق مناخاً تصاعدياً يشيد بقدرته على بذل المزيد من الرصد والتحليل لمآل الحياة الإنسانية إلى هذا المآل الذي بات أليماً ويحتاج إلى علاج ناجع لا إلى قول عابر كما يقول منصور في أكثر من مناسبة وفي أي هامش يعده الصقعبي رغبة في الوصول إلى حقيقة الأشياء التي باتت في مهب رياح التغيير.
فهو الذي يؤكد من خلال تفاصيل رواية (حالة كذب) على أن حالة هذا التشابه بين البطل وبعض الشخوص المفترضين أذكى رغبة التمثل للعديد من الصور لا سيما علاقات البطل أو الشخصية المحورية (منصور) مع الكثير من النساء الذي عني في التفاعل معهن على نحو استثنائي لا سيما من يتقاطعن مع همومه، واهتماماته في رحلة البحث عن الذات، وما يخبئنه من لواعج.
حالة المكان في رواية حالة كذب ربما لن تكون متخيلة أو وجودها مموهاً أو إسقاطيا إنما جاءت على نحو متوازن عني الروائي الصقعبي في توزيع جغرافيته بين عواصم غربية ومدن سعودية بين الطائف وجدة والرياض وأبها محاولاً في هذا التطواف الحكائي أن يوسع خصوصية خطابه الإفصاحي عن قصة رجل يعاني حالة من التشابه تكفي لأن يصوغ هاجساً متواتراً يحقق للرواية وجودها، ويسعى من خلال هذا العمل تحقيق فرضية المتعة وإرضاء الذائقة.
* * *
إشارة:
حالة كذب (رواية)
عبدالعزيز الصقعبي
المركز الثقافي العربي بيروت - 2009م
تقع الرواية في نحو (176صفحة) من القطع المتوسط