توسل كثيراً وسال دمعه، وهو يطرق باب منزله الموصد. طردته أفعاله.. حين سبقت عصا عائله. أخذ الفتى يفرك بكفه الناعم خده الأيسر من عينه اليسرى. والشمس تلفحه في قائلة نهار تهامي. يشعر بحرارة واحمرار من جراء مسح متهور. جعل الحكاية في رحل الماضي بدقائقه المنقرضة.. ثم خرج من مكانه كالمحنوذ. يلهو بعبث. تحزّهُ علائق الألم من شيء في صدره. مرة هنا ومرة هناك.. وأخرى لا يدري على أي شاطئ تطرحه أمواج الحياة العاتية.. وصل مفترق طرق وعرة.. احتار أي الطريق يسلك لليمين أو لليسار.. جرفته اليسرى نحو الهاوية.
أقبل على الصبية معاتباً لهم حين وضعوه في قائمة الاحتياطيين لفريقهم الناشئ. شعر برعشة خوف وانكسار ينتابانه. طلبهم متوسلاً أن يمنحوه فرصة. فلم يستطع أن يفعل أكثر من ذلك. أشعروه بأنه لا يصمد أمام ضربات الأقدام.
تذكر وعبس. كيف صبر وصمد على ألم الختان؟ سأل نفسه. أحس بطعم الألم في جرح لا ينز دماً. سخر من نفسه. يوم ولد جنيناً. وتم ختانه في مرحلة يعقل ويسمع ويتألم فيها.. ليس كباقي الأطفال.
انسحب من مكان الصمت إلى الوهج المتساقط كالوشل. لمع بياض المكياج على وجهه وانحسر. تأفف من حرارة المكان البالغة تلك الحزة خمس درجات. بحث عن مكان بارد.. ذهب بعيداً في بحث منهمك.. مسافات طريق أسود.. سويعات الأصيل تدنو.. تلاطم.. تصادم.. أنين.. خفوت.. لم يجد إلا ثلاجة الموتى كي يستريح.