لغة القاص عبدالرحمن السلطان لا تخرج عن كونها إطاراً لتسجيل فكرة إنسانية، وتصوير مشهد اجتماعي حافل بالتجاذبات، بل هو المولع دائماً باستقصاء الشارد من الحكايات والوارد من البوح اللاعج.. ذلك الذي يفضي دائماً إلى بناء مقاربة إنسانية ذائعة في حضورها على نحو ما تجلى فيه بالمجموعة (ودونها رماد يحترق) التي صدرت في سلسلة الكتاب الأول عن النادي الأدبي في الرياض.
في القصة الأولى من المجموعة يذهب القاص السلطان إلى الفكرة الإنسانية الأشد إلحاحاً.. تلك التي تتمثل في دوامة المكايدة اليومية للإنسان الكادح، فقصة (كفن متحرك) بعد تصويري لمآل الحياة المعاندة والعصية على الفهم دائماً فالنهاية المتمثلة في الموت هي أدق تفصيلاً لحالنا التي ما برحت تطلب المزيد من مطامع الحياة.
تسير القصص الأخرى على نحو هذا الاستحضار القوي لصورة الحكاية الأزلية تلك التي تجمع نقائض الحياة على نحو شعور أبطال القصص بأن لهم دوراً في هذه المعادلة وعلى كل شخص أداء رسالته على أكمل وجه.
فالشخوص الذين يرتسمون في ملامح معذبة تكون الأحداث حولهم أكثر ألماً وأقل فألاً حتى وإن كانوا متجاوزين لحالات ضيق كثيرة، فرغم أن البطل في قصة (للنفس قسوة أخرى) طبيب إلا أن لديه الكثير من الآلام والمثبطات التي توحي بأن الإنسان في عالمنا موعود بجملة من الإرهاصات القاسية.. تلك التي تستحق التدوين على نحو ما قدمه القاص السلطان.
يعتمد الكاتب في سرده للقصص على أسلوب الإفصاح الحكائي المترامي، حيث عمد إلى نبش كل التفاصيل الدقيقة لمواقف الشخوص، وتفاصيل أحداثهم التي تعد هي الرافد المهم من روافد بناء الحكاية.
فالحكاية هي التي تتحول إلى قصة فنية ذات أبعاد تفصيلية قد لا تفي الحكاية العادية بسبر أغوارها، كما أن الكاتب عني في إثراء مساحة السرد لكل حكاية على نحو تفصيلي يدوِّن حالة الإنسان في مواقف حياتية كثيرة.
في القصة قبل الأخيرة التي حملت اسم المجموعة (ودونها رماد يحترق) جاءت على هيئة حديث وجداني محمل بصيغ الاستدراك على العلاقة بين الرجل والمرأة حينما تسير الحياة نحو النهايات المألوفة، إلا أن القاص السلطان برع في صياغة لغة المشاهد التي كونت القصة.. فكان الحديث بين الرجل والمرأة على خلفية هذا البرد القارص، وهذه المدفأة التي تلتهم أعواد الحطب دون أن تبث روح الدفء في عوالم هذه الغرفة التي تجمعه بالمرأة التي شعر أنها باتت تنأى عنه في البعيد فلم يعد هناك فرصة للعيش معاً، ولم يعد ممكناً حسب حالة السرد للأحداث أنهم في الأصل على وفاق أو وئام.
لغة القصة - كما أسلفنا - أسهمت في بناء معادلة النجاح في النص، لنراه وقد حقق خاصية التميز في سبر أغوار الذات الإنسانية حيث عني الكاتب بالتقاط التفاصيل الدقيقة بغية تحقيق معادلة المتعة والفائدة.
***
إشارة:
ودونها رماد يحترق (قصص)
عبدالرحمن السلطان
النادي الأدبي بالرياض 1430هـ - 2009م
تقع المجموعة في نحو (82 صفحة) من القطع