تأخرت عن المشاركة في نعي الأستاذ الأديب الراحل عبدالله عبدالرحمن جفري، فقد توفي رحمه الله مع بداية إجازة العيد وكنت بعيدا عن وسائل الاتصال الحديثة للتواصل مع الأصدقاء والمهتمين، ومع ذلك فوجئت يوم وفاته بأخي عبدالمحسن يعزيني فيه ظهر يوم وفاته الأربعاء الثاني من شهر شوال 1429هـ الموافق للثاني من شهر أكتوبر 2008م.. فرغم أن الصحف الصادرة في هذا اليوم لم تذكر شيئا عنه إلا أن رسائل الجوال بادرت بذلك! وقد سألت شقيقي: هل تعرفه؟ فرد بلا وأردف ولكن الجميع يعرفه! وقال إنه قد وصلته رسالته بهاتفه المحمول وهو يعرف أنني لا أقتني مثله، وبعد أن ذهبت إلى حيث يجتمع الأقارب للمعايدة عزاني به عدة أشخاص منهم رغم تأكيدي بأن أياً منهم لم يقرأ له شيئا من أعماله أو كتاباته السيارة. ومع ذلك شكرتهم على تعزيتهم..
ولكوني لا أتعامل مع وسائل الاتصال الحديثة مثل (الموبايل) أو البريد الإلكتروني فقد خسرت متابعة ما يحدث.. وتأخرت عن القيام بالواجب.. ولم تقصر الصحف في متابعتها للحدث ونشر ما كتبه الكتاب عنه والاستفاضة في نشر جزء من سيرته ومسيرته الثقافية المبكرة.
لقد استعدت ما في الذاكرة عن أبي وجدي - رحمه الله - فقد سبق أن التقينا قبل ست سنوات وعلى هامش معرض الكتاب الدولي بالقاهرة وبضيافة الأستاذ محمد سعيد طيب في فندق سميراميس وكان من بين الحضور المرحوم الأستاذ فهد العريفي والدكتور تركي الحمد وحمد العقلا الذي كان يعمل أمينا عاما للمجلس الأعلى للطفولة بالقاهرة - والأساتذة أحمد العرفج وأحمد العجاجي وغيرهم. وكان الأستاذ عبدالله الجفري متابعا للفقرات الفنية التي كان يؤديها فرقة الكورال من طلبة دار الأوبرا بالقاهرة وهم يغنون أغاني كوكب الشرق ومحمد عبدالوهاب وبعض الموشحات الأندلسية وغيرها.
لقد كان الجفري ملتفا بشال حول رقبته إذ كان يشكو من نزلة برد وبين وقت وآخر يتجاذب أطراف الحديث مع الأستاذ العريفي وكان بينهم كثير من المودة كما عرفت دعوته لزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية عند مجيئه للرياض للتسجيل معه ضمن برنامج (التاريخ الشفهي) وقد رحب بالدعوة إلا أنه لم يتيسر له ذلك، وسافرت لجدة بعد أشهر واتصلت به لتحديد موعد لزيارته بمنزله والتسجيل معه.. ولكن ظروفه الصحية التي بدأ يعانيها حالت دون ذلك.
بعد أشهر صدر لي كتاب عن الروائي عبدالرحمن منيف قبل وفاته بعنوان (ترحال الطائر النبيل) فبعثت له بنسخة منه، ففوجئت بمقال للجفري عن الكتاب بالعدد السابع عشر من المجلة الثقافية يوم الاثنين 23 ربيع الآخر 1424هـ بعنوان (عبدالرحمن منيف.. الطائر النبيل) استعرض فيه الكتاب وأشاد به.. ومما قاله: (كتاب ترحال الطائر النبيل: يرصد سيرة مبدع عربي مثقف، مقهور منذ تلك الفترة التي أشار إليها منيف في حوار معه: الفترة التي يعيشها العرب منذ هزيمة حزيران حتى الآن.. هي من أصعب الفترات وأسوأها، نظرا للتفكك وشيوع روح اليأس وانعدام موقف التضامن، والاتفاق على مطالب الحد الأدنى إضافة إلى التبعية الاقتصادية والسياسية وغياب الديمقراطية والمجتمع المدني، وسيادة النمط الاستهلاكي ثم تزايد الفقر والأمية وانعدام الحوار الجدي حول الواقع الراهن.. إلخ) وبعد أشهر من كتابة مقاله يرحل عنا عبدالرحمن منيف فتعيد الجزيرة نشر المقال في عدد يوم الأحد 3 ذو الحجة 1424هـ 25 يناير 2004م مع بداية عام 1427هـ وعند إقامة المعرض الدولي للكتاب بالرياض رغبت وزارة التعليم العالي - التي نظمت المعرض - تكريم رواد المؤلفين الذين مضى على أول إصدار لهم خمسة وأربعون عاما وكان الجفري أحدهم عن كتابه الأول (حياة جائعة) والذي نشر عام 1382هـ 1962م وهو عبارة عن مجموعة قصصية.. وكان من بين كوكبة من روادنا الأفاضل والذين مازالوا يعيشون بيننا وهم: إبراهيم الناصر الحميدان وثريا قابل وسعد البواردي وسلطانة السديري وعبدالرحمن العبيد وعبدالفتاح أبو مدين وعبدالكريم الجهيمان وعبدالكريم الخطيب وعبدالله عبدالجبار وعبدالله مناع وعبدالله الجفري وعبدالله بن إدريس وعبدالله بن خميس وعمران العمران ومحمد سعيد الخنيزي وهاشم النعمي.
وقد حضر الحفل رغم ما يعانيه من أوجاع.. وعندما زرته بالفندق صباح اليوم التالي لدعوته أو تجديد الدعوة السابقة عرفت بسفره فجرا لجدة. وكان لي شرف العمل ضمن مجموعة لتكريم هؤلاء الرواد.
عرفت بتمكن المرض منه وملازمته الفراش رغم عدم توقفه عن الكتابة فنجده يوميا ومن خلال (ظلال) زاويته الشهيرة بجريدة عكاظ يناقش أهم القضايا الاجتماعية والثقافية.. وحتى عند سفره للعلاج لم يتوقف عن الكتابة سوى أيام قليلة.. وفي الأشهر الأخيرة عرفت أنه نزيل المستشفى بجدة وأن حالته بدأت تتردى.. كنت أحرص على جمع بدايات الرواد من مقالات أو قصائد.. فعدت لما لدي عن الأستاذ الجفري.. فهو من مواليد مكة المكرمة عام 1358هـ الموافق 1939م وقد وجدت له مقالات في جريدة البلاد السعودية عندما كان طالبا بثانوية الرحمانية بمكة عام 1374هـ ففي البلاد السعودية ليوم الأحد 3 شعبان 1374هـ وبالعدد 1809 وعمره لا يتجاوز السادسة عشرة نجده يكتب ضمن زاوية (دنيا الطلبة) والتي كان يشرف عليها المربي عبدالرزاق بليلة والذي كان يحتفي بالكتاب من الطلبة ويبرز محاولاتهم ويشيد بهم ويشجعهم مثل: محمد عبده يماني ومحمد سعيد طيب وعابد خزندار وعبدالله جفري. وكانت أول مشاركة وجدتها في الجريدة المذكورة مقال له بعنوان (كتاب المستقبل.. التلميذ بين الدراسة والمنزل) ولكنه سريعا، يبرز ويتقدم زملاءه ويتسنم القيادة فمع صدور جريدة (الأضواء) لصاحبيها محمد سعيد باعشن وعبدالفتاح أبو مدين نجده يتولى الإشراف على صفحة (حصاد الطلبة) والتي تصدر كل أسبوعين فنجده في العدد العشرين من الجريدة الصادر يوم الثلاثاء 13 ربيع الثاني 1377هـ الموافق 5 نوفمبر 1357م وقد وضع اسمه تحت عنوان الصفحة كمشرف عليها، وضمن كتاب هذا العدد محمد عبده يماني (مع طلاب الأمس.. إلى الأمام دائما) ومحمد كتبي بكالوريا قسم آداب (القيم الإنسانية في نظر تجار الحروب).
رحم الله الأستاذ الجفري فقد أشعل الكثير من القناديل وأوقد الشموع في طريق النشء وأخذ بيدهم مذ كان طالبا وحتى رحل عنا إلى دار البقاء في السبعين من عمره.
عزائي لأبنائه وأصدقائه ومحبيه.. ولي رجاء لعبدالمقصود خوجة بوضع المجموعات الكاملة والتي سمعت بطباعتها في متناول الجميع فقد ترك الذكر الحسن والصدقة الجارية وهي العمل الذي ينتفع به.