إعداد : محمد المنيف
المنافسات التشكيلية أصبحت المحك الأصدق لكشف واقع الساحة وغربلتها نحو تصفية حقيقية بعد أن تحمل الزمن الماضي تبعاتها ليأتي زمن جديد قادر على حسمها ومواجهة ما كان يتم من بعض لجان التحكيم أو من عهد لهم بالتنظيم في توجيه دفة هذا الفن وإبقاء أسماء معينة فيما يخص المعارض الجماعية والدفع بكل ما هب ودب على الأرض أو في ما يدفع به محكمي المسابقات من وضع من لا يستحق في مقدمة السباق وحصر الجوائز لفئة واحدة تتكرر في كل معرض مما دفع بالمبدعين الحقيقيين للابتعاد عن الساحة وعن المعارض.
ذلك الواقع وتلك السبل لم يعد لها وجود في زمننا الحالي خصوصا حينما يوفق منظمو المسابقات في اختيار أسماء محكمين لهم خبرة وباع في المجال ينظرون للأعمال الفنية بعيون فاحصة وعقول ترقب جديد الفن على المستوى العالمي ممتلكين الثقافة الشاملة المطلعة على ما يدور في فلك الفن بتحديد الأطر التي تجمع ما يسعون لتحقيقه للساحة مع الاحتفاظ بهويتها.
معاصرون سنا وتقنيات
لهذا يلاحظ في الفترة الأخيرة احتلال الشباب للساحة بكل ما لديهم من قدرات ثقافية وإمكانيات التطور ومنافسة الجديد، والابتكار في كل إبداع يظهرون به للجمهور فاستطاعوا بدمائهم الساخنة المتدفقة أن يلفتوا أنظار الآخرين فكسبوا الإعجاب وحظيت أعمالهم بالاقتناء وحصد الجوائز محليا وعربيا ودوليا، تحرك لا يمكن أن يغفله المتابع لمسيرة الساحة المحلية ومراحل تحرك الرسم البياني من السبعينات الميلادية التسعينات الهجرية إلى يومنا هذا يمكن لنا فيها معرفة ما طرأ من فترات ركود وتذبذب وتراجع على المستوى الفني والمستوى التنظيمي نتيجة الاندفاع الكبير من الاعداد التي أتت تباعا وبشكل سريع لم يكن للمسؤولين عن الفنون التشكيلية في تلك المرحلة استيعابها ووضع الخطط التي تكفل التوازن في مسيرة هذا الفن ودراسة كيفية التعامل مع هذا الزخم من التشكيليين الشباب عبر تصنيف وتحديد مستويات المعارض وتخصيص محكمين يسبقون الزمن ويستطيعون الأخذ بما يناسب قادم الساحة فكانت النتيجة ابتعاد الكثير من الفنانين عن المعارض والبحث عن سبل أخرى إلى أن وصلت الحال بتوقف الكثير منهم إلا من معارض شخصية أو مشاركات خارجية أو معارض معينة يرون أن فيها ما يخدم تجربتهم، هذا التغير والتبدل في مسيرة الفن تحول إلى مرحلة أخرى تمثلت في اتجاه البعض لتنظيم معارض ومسابقات وجد لها متفاعلون ومتقبلون للدعوة مع عدم أهليتهم لان يقدموا للساحة كتشكيليين ومع ذلك تمت التجربة وقدم للساحة أعداد من هؤلاء أصبحوا اليوم من الأسماء التي تردد على الألسن، هذه الأعداد وبهذا الكم يمكن اعتبارها ظاهرة صحية من اجل أن تتسع دائرة لاختيار والانتقاء.
منافسات تشكيلية بروح رياضية
أما اللافت للنظر فهو عودة الكثير من التشكيليين الكبار (سنا وتجاربا) إلى المشاركة في معارض يشكل الشباب السواد الأعظم فيها، مع ما يتوقعه هؤلاء الشباب أن في تواجد هؤلاء الكبار من أصحاب الأسماء المعروفة على الساحة ما قد يحرمهم من التنافس وكسب الجوائز عودا إلى تجارب سابقة في مسابقات رسمية وخاصة يحصدها الكبار ويحرم منها الشباب، إلا أن هذه النظرة أو الظاهرة لم يعد لها وجود في المرحلة الأخيرة خصوصا في المسابقات التي يتم تحكيمها من قبل محكمين ينظرون للعمل أكثر من نظرتهم واعتمادهم على ما كان يحققه المشارك من جوائز، وأمامنا الكثير من الشواهد والمشاهد منها مسابقات رسمية ومسابقات نظمها فنانون بدعم من القطاع الخاص شارك بها أسماء كبيرة رائدة لها خبراتها وشخصيتها وهويتها الفنية ولها تاريخها الطويل في مضمار هذا الفن لم تمنعها كل هذه الألقاب أو الصفات من أن تشارك في معارض عامة تستقطب الكبير والصغير يتواجد فيها هواة الفن والموهوبون فيها من أسماء الشباب المعروفين في الفترة الأخيرة أو من أسماء البعض منها لأول مرة يقدم أعماله عرضت أعمالهم جنبا إلى جنب مع أعمال من لهم خبرات سابقة، هذا التواضع إن صح التعبير من التشكيليين الرواد وأصحاب الخطوات العديدة في هذا المجال يمكن أن تنطبق عليه صفة الروح الرياضية خصوصا إذا كان الأمر متعلقا بتحكيم، وفوز، وجوائز، وأرقام متقدمة، لم يكن لهؤلاء الكبار نصيب فيها بتقدم الجيل الجديد عليهم، ولنا أن نذكر بعض الأمثلة منها ما حققه الشباب في مسابقة السفير الثانية التي شاركت فيها نخبة تمثل أجيال مسيرة الفن التشكيلي السعودي بحضور رواد عالميين فكان لهؤلاء الشباب موقع في مقدمة المضمار بتحكيم عالمي لا يمكن التشكيك فيه كون المحكمين لا علاقة لهم بالأسماء بقدر ما يرون العمل، أما التجربة الجديدة والقريبة فهي مسابقة حياة مول التي نظمها موقع بيت الفن الذي يديره الفنان النشط احمد حسين عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية وشاركت به أسماء لها وزنها التشكيلي منهم الفنان عبد الله حماس والفنان فؤاد مغربل ممن حققوا العديد من الجوائز المتقدمة ومنها الجائزة الأولى في مسابقات مهمة في الساحة منها ما أقامته الرئاسة العامة لرعاية الشباب سابقا وما تبعه من معارض من وزارة الثقافة والإعلام أو مسابقة السفير الأولى أو مسابقة ملون السعودية ومع ذلك تقبلوا بكل شفافية ورضا أن يكونوا في فئة الجوائز المتأخرة رقما وقيمة مادية مقابل ما منح للشباب كمنافسين، ونحن هنا نقدر ما تعامل به هؤلاء الكبار من احترام للجنة التحكيم التي قادها رئيس جمعية التشكيليين الفنان عبد الرحمن السليمان وشارك فيها كل من البروفسور محمد فضل والفنان سعد العبيد، وهذا يعد شهادة من هؤلاء ممن لرأيهم القيمة والتأثير بمستوى التحكيم والاختيار فالفائزون في المسابقة أيضا ممن يستحقون هذا الفوز بكل جدارة ففي أعمالهم ما نعتز به كتجارب عالمية وجدت صدى كبيرا في كل مناسبة دولية يتواجدون فيها فالفنان محمد الغامدي صاحب المركز الأول يعد من المجددين فكرا وتقنيات وممن وضع توجها وجد القبول وأصبح له بها تلامذة في الساحة كما أن الزميل والصديق الفنان فهد الحجيلان له أثرة الكبير في الساحة بما يمتلكه من قدرات لا يمكن أن يتنبأ أي متابع بما سيراه في معارضه القادمة، فالحجيلان يمتلك مخزونا إبداعيا كبيرا يمتد إلى سنوات طويلة يتجدد ويفاجئ به جمهوره، وأخيرا الفنان زمان جاسم الذي قلب موازين جيله ولفت أنظار الجميع بتجاربه السريعة والمتتابعة، أما المشهد الآخر فهو ما برز في مسابقة السفير التشكيلية الأكثر حضورا ومنافسة بعد توقف مسابقة ملون السعودية ففي مسابقة السفير وبتحكيم عالمي فاز في المركز الثاني والثالث في مجال الفنون المعاصرة اثنان من الشباب هم الفنان فهد الحجيلان والفنانة ندى فرحات مقابل فوز الفنان الكبير فيصل السمرة بالجائزة الأولى صاحب التجارب العالمية، كما فاز في جانب الكولاج وهو احد أقسام المسابقة الفنان الشاب عبد الناصر العمري بالجائزة الأولى والفنانة إيمان الجبرين بالجائزة الثانية وفاز الفنان محمد الغامدي بالجائزة الثالثة وهم من الشباب المطور لإبداعه أما في الواقعية وهو القسم الثالث من أقسام المسابقة فقد حقق الفنانون الشباب تغريد البقشي ومحمود غرباوي الجائزتين الثانية والثالثة في الوقت الذي حقق فيه الفنان عبد الله الشلتي الجائزة الأولى وهو من رواد الساحة المحلية، هذه الأمثلة التي يعرفها الجميع تؤكد ما يحققه الأجيال الجديدة من تنافس وتواصل بما تحقق لهم من تحكيم منصف بعث فيهم الإحساس بالثقة في منجزهم وفي إحقاق حقهم.
أخير نعود للقول إن تواجد الفنانين الكبار تجاربا وخبرات في مثل هذه المناسبات وقناعتهم بنتائج التحكيم بعيدا عن الإحساس بأنهم هم الأحق وان مسيرتهم وتاريخهم يعد حصانة لهم دون الآخرين ند حصد الجوائز. هذه المشاركة والحضور ناتج عن تواضع هؤلاء وقناعتهم بان مثل هذه المناسبات تشكل فضاء يتسع لكل الطيور.