في صفحة الثقافة بهذه الصحيفة الغراء وفي عددها رقم 13124 الصادر في يوم الأربعاء 3 رمضان 1429هـ كتب عبدالرحمن بن معيض سابي مقالاً عنوانه (شعبنة الشدوي حول أدبي الباحة)، ثم أعقبه الأستاذ أحمد المساعد رئيس النادي الأدبي بتعقيب آخر في نفس هذه الصحيفة وذلك على خلفية لقاء الصحيفة بالشدوي حول (لائحة الانتخابات الجديدة). وقد استوقفتني لغة تلك التعقيبات ولهجتها المحتدة وآلية التعاطي مع الرأي الآخر والتي تشي بأن هناك خللاً ما في الرؤية وطريقة التعامل مع من نختلف معهم بل تذهب تلك اللغة إلى الإيغال في التوجهات الاقصائية والتجريم ولا أبالغ عندما أقول إنها وصلت إلى حد الاتهام بالكذب والتزييف بل والوثنية كما في قول (سابي) مخاطباً الشدوي (صليت وصمت لوشاية عطرك) هذه اللغة التي يتوهم البعض أنها جهاد ثقافي في الذب عن منجزات المؤسسة الأمر الذي يجعلها لغة تظهر منفعلة وغير مقبولة حتى لو كان صاحبها على حق، ويظهر هذا بجلاء من خلال ورود ألفاظ من قبيل (ليت الريح التي حملتك لتلج من بوابة النادي كانت ريحا أبعدتك حتى لا نبصر هذا الإثم الذي بوأت به عبر ملحق الجزيرة) فهل أصبح الرأي الآخر إثماً؟
ويضيف: (لتشعبن كما يقال) و(لا يضيرنا من يدعي العمى) (ولك العهد بعصيانك أيها الشاعر حتى لا يسيء لك بطاعتك) يتعاظم هذا التعجب عندما نجد أن رد أبي وجدي الكبير مقاما وعمراً لم يبتعد عن هذه اللغة بل إنه جاراها وتماهى معها حتى إنه جرد الشدوي من كل نبل وبلغ الحال أن تم وصفه بالحاقد على النادي وأن هذا الرأي مرده فقط لأنه تجاوزه التشكيل الإداري الأخير لإدارة النادي مع أنه فيما أعلم عضوا في إحدى لجانه وهذا ما أستغربته بالفعل من الأستاذ أحمد المساعد وهو الرجل الحصيف الذي لاينقصه الوقار والأعجب أن يكون السبب الأوحد لكل هذه الغضب الغير متزن هو أن هذا الشدوي قال: إنه يتمنى وجود مراكز ثقافية في المحافظات وإشارته إلى أن المحسوبية تتدخل أحيانا لتفرض اسما ما ليكون ضيفا على منابر النادي؟
وفي واقع الأمر لست هنا مدافعا عن الشدوي فهو يستطيع أن يفند ماقيل بحقه وأن ينفي عن نفسه تلك التهم الموجعة التي وجهت لشخصه لكني سأتحدث عن منهجية التطوير والتغيير التي تتنافى مع ما أظهره لنا هذا الخطاب المتشنج وهذه اللغة الإنشائية التي تغرق في الهجوم الشخصي بل إن هذه التعقيبات تكشف عن واقع لا يعانيه نادي الباحة الأدبي بقدر ما هي مشكلة تتعداه لتشمل الكثير من الأندية وخصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع الرأي الآخر.
لكي نكون منصفين يجب أن نقول إن نادي الباحة الأدبي أحدث حراكا عن ذي قبل لكنه الحراك الذي سببه الأكبر حقيقة أن الأسرع ينشأ عن الأبطأ والأقوى عن الأضعف ولكون النادي كان أنشط في عهد إدارته الحالية منه في عهد إدارتها السابقة شعرنا بفرق حسبه الكثيرون نوعيا بينما هو في واقعه ليس كذلك ولا غاية ما نتمناه وننتظره من مؤسسة ترعى الأدب والفكر والثقافة ولربما أن ذلك الحراك النسبي أشعر البعض أن هناك رغبة في التطوير والتغيير للأفضل وهذه لا نستطيع نفيها عن إدارة النادي لكني أجزم بأنها تفتقر إلى الرؤية والمنهجية والتكامل فالطامحون إلى التغيير والتطوير لديهم منظومة متكاملة من الوعي بكل شاردة وواردة ويرتهنون إلى إجراءات منضبطة جدا تنأى عن إشعال فتيل مثل هذه الصراعات الجانبية ووتتمتع بمستويات عالية من الإفصاح وتحترم اللغة العلمية والموضوعية التي تتخذ من الأرقام متكأ لها لأهميتها كلغة واضحة ومحددة ولاتقبل الجدل والتي تمنع من الانزلاق بالمناقشة والحوارات نحو الشخصنة والتطاول الذي لا يليق بقامات ينظر لها أنها تدير مؤسسة تدعو للحوار وترشده وتديره بلغة راقية لا تتسق مع تلك اللغة التي ظهرت لنا في تعقيبات الإخوة في نادي الباحة فقد كنت أتمنى أن تكون هناك أرقام توضح عدد الفعاليات ونوعها وأماكن إقامتها وأسماء المشاركين فيها لكي تدحض قول الشدوي الذي يطالب بمراكز ثقافية ويؤكد أن المحسوبية هي نهج قائم في الأندية الأدبية على وجه العموم بل أنني أصبت بالدهشة لذلك الخلط الواضح الذي سببته تلك اللغة المحتدة الأمر الذي أوقع رئيس اللجنة الإعلامية بالنادي في خطأ لا يغتفر فقد نسب نشاطات جهات أخرى دُعي لها أعضاء النادي للمشاركة فيها ومنها (أمسية أقامتها إدارة التربية والتعليم للطلاب الموهوبين في مجال الشعر) وكان الأستاذ محمد فرج ومسفر العدواني من المشاركين فيها فيما غاب عنها رئيس اللجنة الإعلامية بالنادي كغيرها من المناسبات العديدة التي لم يحضرها فقد قدر لي أن أكون حاضرا لكل نشاطات النادي المقامة بمحافظة المخواة منذ العام 1423هـ وحتى هذه اللحظة ولم يكن من بين الحضور لتلك الفعاليات رئيس اللجنة الإعلامية (عبدالرحمن معيض سابي) بتاتا ولم أشاهده سوى في مناسبة يتيمة كان فيها فارسا لتلك الأمسية ومن هنا فأنا ألتمس له العذر للجنة الإعلامية بالنادي التي ضمت لنشاط النادي أنشطة الجهات الأخرى وأسباب هذا الخلط واضحة ولا تحتاج لبيان، لكنه يظل مؤشرا على وجود خلل إداري من نوع ما فمسؤول اللجنة الإعلامية عندما يغيب عن نشاطات النادي يدفع للتساؤل عن دوره وكيف يتبوأ هذا الموقع وهو الغائب عن نشاطات النادي التي تقام في جزء من المنطقة (كالمخواة مثلاً)؟
الحديث عن تلك التعقيبات يقودنا للحديث عن ما يمكن تسميته (المتلقي الضاغط) وليت الإخوة في عموم مؤسساتنا يدركون أن وجوده نعمة تسهم بشكل كبير في تطوير الأداء نحو الأفضل وأن مثل الشدوي (كمتلق ضاغط) يقوم بدور المحور ويعمل على إجبار المؤسسة على أداء دورها على وجه يلامس حدود الكمال ويقترب منه بل إن كثيرا من المؤسسات والشركات العالمية التي تدير شأنها بوعي تسعى إلى وجود متلقٍ ضاغط لتأثيره العظيم في الارتقاء بما يقدم من خدمات والحديث يمتد ليجعلنا نتساءل: هل نقد المؤسسة من الداخل فعل حضاري واع أم هو عقوق يستحق مرتكبه الرجم ووصمه بأقذع الصفات التي تتجاوز حتى حدود اللباقة في بعض الأحيان فقد وصف أحدهم من غير منسوبي نادي الباحة الأدبي في مقال بإحدى الملاحق الثقافية المحلية بأن هؤلاء كلاب تنبح حول خيام الأندية الأدبية وهذه اللغة لا تليق بمن ينتسبون لجهات ترعى الثقافة والفكر والأدب وتقرر مصيره وتوجه الحوار الحضاري وتنضجه تؤسس لثقافة الحوار الراقي وإدارة الاختلاف بوعي. تلك اللغة المتشنجة أظهرت لنا كل صاحب رأي مختلف على أنه كفكاويا في نظرته للتلك الجهات دائم الانتقاد والتذمر والشكوى من أوضاع وممارسات تلك المؤسسات وأنه ناقم وحاقد ومتلون وأنه شخص يعاني ضغط غليل انتقادي وذهنية احتجاجية التي لا تستكين للرضا والهدوء وتدفعه قسرا لممارسة فعل الانتقاد لكل شيء وتعميه عن رؤية كل نقطة ضوء فيه وتوهمنا بأن هذا مرده طوية غير سوية وتجعل منه غير منصف وباحث عن منصب أو عن شهرة لمجرد التعرض لمواطن الخلل وهذه نظرة غير منصفة ولا علمية في ذات الوقت فمحمد الشدوي ومن باب العدل والإنصاف دافع عن النادي الأدبي بالباحة إبان إشرافه على ملحق الثقافة بصحيفة الندوة وطالب بمنح إدارة النادي الوقت الكافي حتى نحكم على منجزها وهو يومها لم يكن منتسبا للنادي مما ينفي كونه ناقما وحاقدا ومتلونا وباحثا عن منقصة.
ولو أن الإخوة هناك تريثوا فأداروا هذا الاختلاف بطريقة أكثر وعيا وعقلانية لكان ذاك أجدى وأكثر إفادة للنادي ومستقبل برامجه ونشاطاته، ثم إني أتساءل: ما ضر هؤلاء لو نظروا لهذا المختلف بنظرة يملؤها الوعي فنرى فيه مثقفا يحلم بواقع مختلف للأدب ومنابره يحلم بنشاطات حقيقية تمتد لكل أرجاء المنطقة وتشمل كل من حول النادي ممن ينتظر أن تشمله نشاطات فالحجرة وناوان وغامد الزناد وجرب وغيرها تنتظر أن يمتد نشاط النادي ليشملها وشباب المنطقة ينتظر أن يقوم النادي بدور فاعل تجاههم وأن يستوعبهم ببرامجه ونشاطاته وأن يسهم في خلق أجواء قادرة على الوصول إليه بنشاطات تعبر عن وجدانه وتعكس طريقة تفكيره ومخياله الجماعي وترسخ علاقته بذاكرته وترابه ونسقه الثقافي والحضاري ومن يقول بهذا لا يجب أن ننظر إليه على أنه ناقم ونقذعه بأبشع الصفات.
شيء جميل أن تشع مظاهر الأدب والفكر والثقافة في كل أرجاء المنطقة بل الأجمل أن ترتدي الأندية الأدبية ثوبا جديدا يكسر كل ما هو سائد من النشاطات لا يتوقف عند حدود الصالات المغلقة وعند النشاطات التي تأتي بالنخبة لتتحدث إلى النخبة ويذهب إلى حيث يجتمع الناس ويتواجد الشباب وأماكن تجمعاتهم وتقدم لهم الأدب والثقافة في قالب جديد وتناقش معهم همومهم وآلامهم وطموحاتهم ويبسط لهم الثقافة والفكر والأدب بأسلوب لا يرتهن إلى ما هو نمطي ومكرور وأن تعمل جاهدة على السمو بهذا الجمهور من عامة الناس إلى عوالم الذوق والجمال وتقدم له نشاطا نابعا من واقعه متقاطعا مع ثقافته كي تفتح لهم متنفسا رحبا من تحت الحطام الجاثم وتعيده إلى حضن الأدب بلطف وبهاء ووعي بعيدا عن كل صخب وعشوائية.
أما ما هو قائم من جهود فهي محض اجتهاد ينقصه الكثير من موجهات العمل المؤسساتي وأدبيات الفعل الواعي وينقصه الشمول فالنادي الأدبي ليس مجرد نشاطات تعنى بالشعر والقصة والرواية والملتقيات ونحوها بل يجب أن يكون جهة تعمل على أن تؤسس للأدب والفكر والثقافة من مرحلة الطفولة وهنا أتساءل ماذا قدم النادي لهذه الشريحة؟
أين الاهتمام بالتدريب على فنون الأدب أين الورش التي تهتم بها؟
أين النادي من ثقافة جيل تتمنى التفكير في الخروج بالأدب ومنابره من حدود قاعاته إلى آفاق التقنية من خلال البوابات الإلكترونية ومواقع اليوتيوب ونقل الأمسيات عبر الإنترنت (البالتوك مثلا) بحكم أنها توجه جيل وثقافته التي يعشقها؟
لا أدري عن أي منجز نتحدث ونحن نغفل الشريحة الأعرض الشباب؟
ولا أدري لم هذا الغضب المحتد والنادي لم يقم نشاطا واحدا في أطراف المنطقة حتى تاريخه؟
هل هذا مبرر لنسف جهود النادي؟ بالتأكيد هذا ظلم لجهودهم لكن ما قدم ليس غاية ما نتمنى ولا ما ننتظر، وفي ذات الوقت لن ننتظر الكثير ما دمنا ندير الاختلاف بلغة تخرج به عن لغة الحوار الراقي، ولن نحلم كثيرا بالتغيير في ظل وجود فكر كهذا يجرم الاختلاف وينبذه ولا يستطيع أن يتعامل مع هذه الأجواء المحيطة بطريقة تفيد المؤسسة وتعمل على تطوير أدائها بدلا من أن نراها حقدا وحنقا وسوء طوية.
لا شك أننا نحتاج إلى فكر جديد يدير هذه المؤسسات بطريقة أفضل يفيد من كل اختلاف بوعي وتملك عيونا تنظر له نظرة تقدير يستحقها لا نظرة إقصاء تزدريه وبفكر يرنو للمستقبل بهمة لا تستكين ويستشرف آفاق المستقبل بوعي يجعلنا نعيش في أعماقه لا من برج عال يحول بيننا وبين معرفة واقع ما يجري حول ذلك البرج ويغفل عن رصد نبض الشوارع المحيطة به فيفقده القدرة على معرفة ما يجب أن نفعله لكي لا يزدرينا من نزدريه.