عند ولادتنا نُقيّد في السجلات الرسمية بأسماء قد لا تحمل محتوانا الداخلي, كدليل لثبوت نسبنا لمجتمع البشر, وتأكيد لحضورنا الإنساني, لنخرج بوثيقة ولادة تُسعد الأمهات وتعزز رجولة الآباء, بعدها تنفتح أبواب إثبات وجودنا على مسرح الحياة, هذه الأوراق قد تكون هي الوحيدة التي لن تكون نسيا منسيا, نكبر وفي كل محطة من محطات أعمارنا نستلم ورقة جديدة لتؤكد لنا مدى فاعليتنا في مجتمع ضاجّ بالاختلاف والتتابع , نجترح مساحات من أجل البقاء وتأكيد الذات, أوراق متتابعة لا تنسخ غياب بعضها , وتحت وطأة الزمن نلوذ تحت ظلالها الوارف, المصاهرة بين هذه الأوراق تكون دليلا على نجاحنا, مثابرتنا, صدقنا, أو فنائنا, إنها المعانقة لأفق أرحب, يمتد من ورقة إلى أخرى ومن زمن إلى زمن, وبواقعية كواقعية (مورافيا) سوف أضع أوزار الأسئلة لتتلاقى كالأشجار المتعانقة فروعها, ولتَمُر على صِراط الإجابات المختلفة باختلاف أوراقنا, ترفرف أوراق العمر شاديات تبدأ بخُضرة برّاقة, وتنتهي مُصفرّة بعد انقضاء اجلها, وما بينهما تاريخ من حياة جميلة, بائسة, شقية, أم سعيدة, وبطبيعة الزمن المتقلبة الهادرة كموج طاغ, تطغى على بشريتنا توكيد ذواتنا بتلك القُصَاصَات, ولكن هل هذه الأوراق هي ما تُرتِل إنسانيتنا, فتنمو على حافة الهاوية شخصيات محمّلة بالأخلاق، الأفكار, التساؤلات, المشاعر المتضادة من الصدق, الحب, الطيبة, الشر, التململ, الكراهية, الحقد, صفات كالعسل تلتصق بنا, وبطبيعتنا الناقصة التي تنشد الكمال المزيّف في كل وقت وفي كل عمر,لا نحاول الالتفات إلى الوراء بل غالبا ما نهرع إلى المستقبل بأكبر قدر من الأوراق التي تجسدنا أمام أنفسنا, إذن هل هو قلق الخوف من المجهول الذي لا نستطيع وصفه أو تخيله في لوحة الدنيا المتداخلة بانتظام؟ نغزل في نول الفكر حكايات من اجل البقاء وفرط التغيير والتسلق على حبال الأمل, كل ما نفعله هو انعكاس لما يعتمل داخل رؤوسنا الفذة المحتضنة انفعالاتنا النفسية بكل حنو ورقة, ولكن في بعض الأحيان تكون هذه الحكايات هشة وخفيفة كالغبار تطير مع أول نفضه, فهي لا تستمر بغيّها في احتطاب
عقولنا, بل تتخلى عنا لأول طارق يطرق حياتنا, ليحصحص البؤس من كأس الفكر الفارغ الذي يرفض أن يمسك بلجام الموجودات, لنستوي أمام مرآة أنفسنا, كصيف يحضر قبل ميقاته بأيام, هل نصفح عن إساءتنا لأنفسنا بتصنيفنا بعدد أوراق مُكِرّة مُفِرّة امتلكناها؟ لننادم أنفسنا إذا جنّ ليل السؤال, ولننظر إلى كل ما حولنا بحرارة ملونة تتجاوز صقيع سيبيري يلف أرواحنا وعقولنا, لننصت لنا ليس من خلال أوراق الحياة المنظمة, بل من خلال أوراق الحياة الملونة بأزاهير كل ماهو جميل وعلى حد تعبير (شارل بودلير) (إنه باختصار عالم تتجاوب فيه العطور والألوان والأصوات) هو عالمنا الروحي والعقلي والواقعي, إذن لنكتب أفكارنا ولكن بلا وصيّة.