تهدف هذه المقالة إلى الكشف عن طبيعة العلاقة على محوري اتفاق واختلاف بين قصة قديمة أنتجت مثلها وبين عبارة مثلية عاميّة تبرر مع كل مرة تقال فيها كوامن عجزها، وهي محاولة حفر في قطاع صغير في الذاكرة التراثية والذاكرة الجمعية. ولعل حفريات أخرى أكثر عمقاً وأكثر تخلصاً من روح الشعر يمكنها أن تقارب تأويلاً آخر قد يرتد أيضاً في الذاكرة التراثية والجمعية إلى معنى مناقض، أو لعلها تقبض على جذور علائق أعمق مما يتسارع إليه الفهم والتأويل هنا.
انهيار المتصل:
في عاميتنا نقول: (الشوف شجر) إشارة إلى ضعف الرؤية، أو على الأقل هذا هو السياق الذي تضرب فيه. ومقتضى مفهوم (الشوف شجر) أن أفق الرؤية ضيق ومحتجب فلا يمتد بعيداً بسبب محاصرة الشجر لمدى الرؤية. وقد يكون التصوير مقتضياً التفكير بشجر العين نفسها وانعطاف الأهداب وانكفائها وتغطيتها لمعبر الرؤية فيغُّم على الرائي، ويرتد بصره حسيراً. كما قد يقتضي أيضاً استحضار معنى الاشتجار؛ إذ ثمة مؤشر إلى اختلاط واضطراب يمنع الرؤية أو التفكير الصحيح الصافي الواضح الحر المطلق من سلطويات القيود والأطر، كل ذلك وارد وربما هناك ما هو أكثر وأبعد من كل هذا.
ولكن إذا ما استدعينا مع (الشوف شجر) زرقاء اليمامة، وهي بالضرورة حاضرة مع شجرها الذي يسير، أيمكن أن نفهم تلك العبارة بتلك المستويات من الدلالة فقط؟
ثمة معنى نقيض مع الزرقاء والشجر الذي يسير، إذ هي مع شجرها تستدعي الدلالة على حدة الرؤية وصدقها وبعد مداها!! صحيح أن التأويل لحظة الرؤية لم يلعب دوره باستثارة حس التخوف والتشكيك الصحي لدى قومها، حيث لم يصدقوها إذ كان ثمة انهيار لمتصل الإدراك ومتصل العلاقة بين الرؤية والواقع من جهة وبين متصل إدراك الزرقاء وإدراك قومها لإدراكها، وبالتالي انهيار متصل العلاقة بينها وبين قومها مع انهيار جبروت سلطة الرؤية. ولكن مع ذلك ظلت تضاعيف القصة ومحصلتها النهائية تشير إلى حدة في البصر وقدرة متجاوز في الرؤية، حتى مع النهاية المؤلمة التي لقيتها الزرقاء على يد الشجر الذي يسير، أعني دك أداة الرؤية وقطع المتصل مع الوجود والمعرفة وبالتالي سلب السلطة. ولكن سلطة حقيقة قدرة الرؤية المتجاوزة ظلت تمارس فعلها في القص والمرويات والتاريخ والوجدان الجمعي.
ولن استطرد في حسن التأويل أو سوئه أو حتى في صدق القصة، ولكني أريد هنا أن ألفت النظر إلى هذا الانقلاب الضدي في دلالات الصورة المستقاة من قصة الزرقاء ومثلها إلى معنى مضاد تماماً في المثل الشعبي. ترى أي شيء حدث للرؤية عبر التراث وعبر الزمن بعد عمى الزرقاء أو حتى موتها؟ وما علاقة هذا بالتخبط الأخير والالتباس الدائم في (الشوف شجر)؟ ترى ألهذا الانقلاب مبرر ما؟
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض
Rafef_fa@maktoob.com