كان يسعني أن أتجاهل أطروحة عثمان التي كتبها عنّي إذا كان مصيرها سيكون مثل الكثير من أمثالها في سراديب مخازن الكليات والجامعات.. لكنني قدّرت أن صاحبها قد يسعى بها يوماً ما إلى قناة أو وسيلة من وسائل النشر الكثيرة اليوم في بلادنا، وحينئذ سيجد من يقرأها اتهامات وإدانات كثيرة حسبها صاحبها عليَّ، وأكون أنا في الحياة الآخرة، لذلك بادرت إلى تصحيح ما رأيت من أخطاء شخصية تمثل حياتي الخاصة؛ وهي كثيرة نسبها إليَّ - عثمان -؛ دون أي دليل يثبت ما قال..
وكنت أوثر لو أن جامعاتنا وكلياتنا عرضت الأطروحات التي تتحدث عن أشخاص أحياء، وددت أن يبعث بهذه الرسائل الجامعية إلى من يكتب عنهم، ليصححوا الأشياء المغلوطة التي كتبت عن حياتهم، وليس الآراء الدراسية عن إنتاجهم، فهذه تخضع لمقاييس واجتهادات الكاتب ونصح المشرف على الأطروحة وأمثالها، وعثمان لم ألتق به ولم يرني رغم أنه قريب، هو في الرياض وأنا في جدة، وقد اتصل بي عثمان مرات معدودة يسألني وكنت أرد عليه في أمور يسيرة لا تكفي ليكتب عني مائتي صفحة فيها الكثير من التجاوزات التي سأمر بها لأبينها له ولقارئ هذا الرد التصحيحي.. وليس الهدف الدافع لي أن الرسالة كتبت عني ولم يعجبني ما حملت من نقد، إنما الدافع الحق تلك المغالطات التي لو وقفت عليها وهي تعنى بغيري وأعلم بحق جوراً فيما قرأت لسارعت إلى الكتابة رداً على من مارس أموراً ليس له فيها حق وذلك من باب الغيرة ورد المظالم والتجاوزات، ولاسيما في غياب من تعنيه.. ويبدو أن جامعاتنا وكلياتنا لا تقيم وزناً نحو بعث الأطروحات التي تكتب عن الأحياء، ليصححوا الأشياء المتعلقة بحياتهم، أما النقد للآثار فيبقى كما كتب، يتحمل مسؤوليته صاحب الرسالة وما يختص بالمشرف وهيئة التحكيم.. وأوشك أن أقول إن هيئة تحكيم رسالة عثمان والمشرف لم يقرأوها، وهم قريب مني يعرفون الكثير عن حياتي، لأن ما كتبه صاحبها فيه أخطاء سجلها عليَّ وليس لديه أي دليل، وهو قد رصد في مصادره ترجمة حياتي، وما قاله عني لم أقله فيما كتبت ولم يأت به أحد سمع مني ما كتب عثمان، وهي أخطاء كاذبة أفتى بها قائلها، وهذه الرسالة الضعيفة وأمثالها تقبلها جامعاتنا وكلياتنا ليزيد ركام الهزال عبر قبول أطروحات تحسب على من أجازها، وجامعة الملك سعود عرفنا قوتها عبر إدارتها وكذلك هيئة التدريس فيها، وسمعتها قوية بين جامعاتنا، والمفترض في الأطروحات الهزيلة أن ترد إلى أصحابها ليتلقنوا الدرس ثم يقدموا ما يَشرفون به وما يحسب لمصدرها الذي تصدر عنه، ولا يحسب عليها ما لا قيمة له..
وأريد أن أعلن أن رسالة عثمان صدرت بتاريخ 22-7-1423هـ - 29-9-2002م، وأفضل أخي الدكتور عبدالعزيز السبيل فبعث إليّ يومها بنسخة منها، وكنت يومئذ في معمعة قيامي بمسؤولية نادي جدة الأدبي الثقافي فلم أطلع عليها ووضعتها جانباً، وحين فرغت إليها ساءني ما فيها، حتى إني قدرت أنها لم تقرأ من المشرف وكذلك - لجنة الحكم -، وليس هذا اتهاماً، غير أن الافتراء الذي فيها يدفعني إلى ما قلت، وإنني أدلل على تلك الشواهد الكاذبة، وقد فتشت عن درجة نجح صاحبها فلم أر شيئاً، فقدرت أنها في مستوى - المقبول - الذي لا يعوّل عليه، لكن صاحبها يفاخر بها على اعتبار أنها درجة علمية من جامعة ذات تميز في مستواها العلمي، وكونها الجامعة الأولى في بلادنا، ظهرت منذ نصف قرن، وذلك كافياً على مكانتها التاريخية ومستواها العلمي..وإني استئذن أخي الدكتور إبراهيم التركي في استعارة عنوان كتابه - ثقافة التخلف - لأجعله عنوان هذا الحديث..
في مقدمة الأطروحة قال عثمان عني في الصفحة الأولى: (درس ثم طرد وعمل ثم طرد)، وقال مرة أخرى في آخر سطر من الصفحة الأولى في مقدمته: (وحين طرد من المدرسة ذهب يبحث عن معلم حتى استطاع الوقوف على قدمين هزيلتين).. ولست أدري من قال له ذلك أو أين قرأ ما تفضل به عليَّ؟.. وفي سيرتي الذاتية قلت كل شيء عن حياتي، فلو طردت من المدرسة أو من أي عمل مارسته لقلته بكل شجاعة وقلت أسبابه؛ وتترى الإساءات، بوصف قدمي بالهزيلتين! وصدق الحق القائل : ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله (..وإني أشهد القراء على افترائه ليكونوا والتاريخ شهوداً، وكفى بالله شهيداً..
وقال في ص (7): (وكان يتخذ من قراءة القرآن مصدر دخل له ولأمه).. وأنا لم أقل ذلك في سيرتي الذاتية، وإنما قلت إن شيخي الذي كان يحفظني الكتاب العزيز، حينما يطلب ورفاقه حفظة كتاب الله، وهذا أمر يحدث في الشهر أو الشهرين أو أكثر من ذلك، يحدث مرة فيصحبني معه رحمة بي لأقرأ جزءاً مما حفظت وبيدي الجزء، وبعد تناول الطعام في منزل المتوفى يعطي ذووه لكل قارئ دراهم.. فهل هذا يا أستاذ مصدر دخل؟ ومواقف كثيرة شبيهة بهذا سأتوقف عندها.. وهذا القول المرتجل الخاطئ، يبعث على السخرية من صاحب أطروحة قيمتها كقيمة صاحبها..
ويركز عثمان على مصاحبتي للأستاذ محمود عارف رحمه الله، ويردد الوقفات عندها بلا دليل.. والحقيقة أن المدة التي صاحبت فيها أستاذي العارف كانت قصيرة جداً، كانت أياماً معدودة لم أكمل فيها الجزء الأول من نظرات المنفلوطي، قرأت مجموعة صفحات ثم توقفت القراءة وبدأت أعتمد على نفسي بعد الله.. أما صداقتي العميقة معه فقد امتدت حتى وفاته، والرجل كان من الندرة في الوفاء والمروءة والإيثار، لكن الأستاذ عثمان جمعان يركز عبر صفحات رسالته على تلك الصحبة الكريمة ويجعلها لدرس متصل حتى النهاية، وأنا أستطيع أن أسجل أرقام رسالة عثمان من أولها إلى آخرها، التي يردد فيها ديمومة الدرس والتلقي، وحين أسجل عليه هذه المآخذ فإن هذه الأطروحة تصبح ليست بذات قيمة! وأن صاحبها يشبه سالق البيض، وأن درسه هذا هزيل، وسيظهر ذلك عبر وقفاتي المتتابعة، وما هكذا تكون قيمة الرسائل الجامعية التي يعتد بها، وقد قرأت أنماطاً منها كانت قيمة وذات قيمة، وأضرب مثلاً برسالة أخي سعيد السريحي عن أبي تمام وهي في مرحلة الماجستير وأمثالها في المستوى المتميز كثر، ذلك أن أصحابها متميزون وجادون وأساتذة..
وفي ص (17)، من الفصل الأول من الرسالة قال في السطر الثاني: (بعد وفاة أبيه قدم هو وأمه في موسم الحج إلى المملكة العربية السعودية (وبين وفاة الوالد ومجيئي ووالدتي عشر سنوات، وخلالها مارست حياة وأعمالاً شتى، وأقول ذلك لأدلل على جمز عثمان وقفزه بلا ريث ولا تسلسل، وهذا ما ينبغي أن لا يكون.. ولو كان الرجل دقيقاً وجاداً لاستفاد من - حكاية الفتى مفتاح -، فقد سجلت فيها كل شيء حسب تسلسل حياتي وحركاتها بما يشبه الدقة، وأنا امرؤ - غلبان -، شهادة دراستي المخروقة كما قال الإصدار الأدبي لمؤسسة الجزيرة الصحافية، فتلك الدراسة المنتظمة ثلاثة عشر شهراً، ولو كانت حالي كحال السيد عثمان جمعان في طول مراحل الدراسة، اثنتا عشرة سنة في التعليم العام، وأربع سنوات في مرحلة البكالوريوس، ونحو أربع أو ثلاث سنوات في تحضير أطروحة الماجستير، عمر فتى يمكنه من الزواج.. لكني أرفض أن أكونه، لأني لم أر نبوغاً، ولا تميزاً، ولا ما يفيد أن رسالة الماجستير هذه تستحق أن تكون شيئاً ما، وأن تنسب إلى جامعة قوية متميزة ذات شأن.. وحين أفرغ من غربلة هذه الرسالة سيقف القارئ على ما يخجل من الأخطاء التي لا تغتفر، وقد أتيح لصاحبي كل وسائل العون من المصادر، والأخ عبدالله الزميل في النادي الأدبي الثقافي بجدة، كان يمد عثمان بكل ما يطلب من كتبي وما إليها.. ومن تقصير عثمان أنه لم يكلف خاطره بالسعي إليَّ لأرد على أسئلته وما يعنيه، لكنه لم يكن حريصاً على ذلك، وبالتالي لم يكن مهتماً ولا يريد أن يتعب نفسه مادام كل شيء بين يديه من خلال طلباته المتواصلة.. وعرفت أصحاب الدراسات حراصاً على مقابلة من يكتبون عنهم ومحاورتهم في أدق الأشياء، والأستاذ عثمان استغنى مادام قد حصل على كل المصادر، غير أنه في المحصلة أخفق ولم يوفق، وهو وحده يتحمل تبعة ما آل إليه في سعيه المحدود؛ لكنه سعي لا يستحق صاحبه أي شيء من القيمة ، ذلك أنه يشبه - طواحين الهوا..
ونرى تداخلاً أو سوء تركيز، ففي الصفحة نفسها (17)، نقرأ قوله: (ثم التحق بالصف السادس من بداية العام الدراسي، بعد أن أكمل في مادة الإنشاء ونجح في الدور الثاني).. ولاحظت أن عثمان - لا يُجمّع - كما يقال، ولاحظوا قوله، وأنا أنقل من أطروحته وليس شيئاً من عندي.. الأستاذ قال إنني التحقت بالعام الدارس بالصف السادس بعد أن أكملت في مادة الإنشاء، وهذا يعني حسب فهم عثمان أن إكمالي كان وأنا في الصف الخامس، وقد قلت في سيرتي الذاتية إن الإكمال كان في الشهادة الابتدائية في السنة السادسة، كما قلت إن مقرر سنة خامسة درسته في الحرم النبوي الشريف؛ ثم التحقت بالسنة السادسة، ولم أقل إني امتحنت في مقرر السنة الخامسة.. وإني أشير إلى خطأ مازال يقع كل حين، وهو ما يسمى - الدور الثاني -، والصحيح أن يقال - الدور الآخر -، بكسر الخاء، وسبق أن نبهت إلى ذلك في زاويتي - وعلامات -، التي كانت تظهر في جريدة الجزيرة، لأن كلمة ثاني تعني أن هناك ثالثاً ورابعاً إلخ؛ كما هي الحال في ربيع الآخر وجمادى الآخرة..
وقال الأستاذ عثمان لا فض فوه في ص (18): (في الفترة التي عاشها في بداية حياته في جدة كان مشحوناً بضغوط نفسية كبيرة تتمثل في فقره).. وأقول فتح الله عليك يا عثمان! من أخبرك بدائي أو دوائي حفظك الله من كل سوء، وهل قرأت في قرطاس ما أفضلت به أم تطوعاً منك؟ يا أخي من واجب المسلم أن يتمنى لأخيه المسلم الخير والسعادة وليس شحنات من ضغوط نفسية، يسوقها من خياله، وهي محسوبة عليه لأنها ظن كاذب وافتراء.. وقال في الصفحة عينها إنني لم أستطع مواصلة دراسة مسائية - لبعد عهدي عن الجو المدرسي -، وليس ذلك صحيحاً، وإنما الصحيح أنني لم أستطع ذلك بحكم الجانب المادي من جهة ثم إن عملي لا يتيح لي بذل مجهود ليلي أتعلم فيه، وقال الأستاذ صنع الله له في الصفحة ذاتها شاكراً له مواساتي وإن لم يفعل ولم يوفق، قال: (وربما شكل رسوبه في مادة الإنشاء انكساراً كبيراً في داخله)، وقال بعد ذلك مباشرة بورك فيه: (وزاد من حدّة ذلك الانكسار ضعفه في القراءة (سلمت براجمك، فهل كنت تعايشني يومها حتى لو كنت لم تولد، وهل تطوع أحد بمدك بما وصفتني به أم هي نزعات شيطانية ووسوسات تأتي إليك عبر أحلام مزعجة؟ كل هذه الشظايا في الصفحة إياها.. وقال في ذيل تلك الصفحة : إن الأستاذ محمود عارف كان أحد طلاب مدرسة الفلاح (وأضيف إلى معلوماته، أن الأستاذ عارف كان أحد أعضاء هيئة التدريس في تلك المدرسة.. وكما قلت آنفاً إن عثمان يخلط الأمور بعضها ببعض، ويردد الإتيان باسم الأستاذ محمود عارف تباعاً، فقال حفظه الله في ص (19): (عندما سلم أبو مدين أمر تعليمه لمحمود عارف أرشده إلى نظرات المنفلوطي يقرؤها ويلخصها)، ثم قال مباشرة وهو يتحدث مجدداً عن إرشادي من قبل الأستاذ عارف لقراءة نظرات المنفلوطي، قال عثمان: (لكنها بالإضافة إلى ذلك أثرت في أبو مدين بأمر بالغ الأهمية في مسيرته المعرفية فيما بعد حيث حددت اتجاهه المعرفي على الأدب النفعي (.. وهذا حشو زائد ليملأ به جمعان صفحاته، وكأنه حريص على قوله - المكرر يحلو -، وهل كل مكرر كذلك، لست أدري!؟.. لقد كنت أنشد الأسس في القراءة السليمة والمزيد من القاموس اللغوي، ذلك ما كنت أسعى إليه، وأعيد القول إن مدة قراءتي للنظرات كانت قصيرة، لكن بعد ذلك قرأت المنفلوطي في كتابه - العبرات - وبكيت حين قرأت فصلاً منه عنوانه (اليتيم).. ولو تواصل معي عثمان لقلت له الكثير، ولراجعت معه رسالته إلى ما يفيده ولا يهمني من ذلك إلا أن يكتب الصحيح الحق، أولا يكتب عني ويتحوّل إلى غيري فقد يكون أجدى لي وأجدى له ! ولكنه لم يفعل فوقع في أخطاء يتحمل تبعاتها وحده..