|
العودة بأرجُلٍ عاجزة
|
*سعد العتيق
ها أنذا أعود إليك يا طريقي العزيز، فهل تذكرني؟ هل تعرف حكاية السنوات التي أبعدتني عنك؟ هل تذكر دراجتي المزخرفة بشرائط البلاستيك الملونة، و(الأنتين) الطويل المثبت في محور العجلة الخلفية، والعلم الأخضر الصغير، الذي يرفرف فوق رأسي، وأنا أعبرك إليها ذهاباً وإياباً؟! أتذكرها؟ كانت هناك، تسكن حيث يتثاءب (مخبز السعادة) في وجه (فوّال الأمانة) أمامي كل صباح..
أحس بأنني هجرتك مدة طويلة، فهل اشتقت إلي بعد هذه المدة فسألت أحد المارة عني؟.. أما أنا فقد اشتقت إليك كثيراً، اشتقت إلى ماضيك، إلى ترابك، وحفرك، وغضبك كلما مرّت عربة نقل عمال متلثمين عن لفح الغبار وبرودة الشتاء، فقطعت حديثي معك.. اشتقت إلى أبنيتك ذات الحيطان المتلاصقة، والأبواب المشرعة، تلك التي لم تخش الوقوف على أرصفة الاحتضار.. اشتقت إلى القطط الهاربة من صرير دراجتي، حين تتلفت أكثر مما تشرب من الماء المعشوشب، المتسرب من براد السبيل الملتصق بحائط المسجد..
طريقي العزيز: وأنا أذكرك بدراجتي، وبعجلاتها المطاطية.. اليوم أمشيك بأرجل لن تلبث أن تصبح بعد خطوات قليلة، مطاطية كذلك!!
طريقي، افتح لي ذراعيك.. ابتسم.. أنا صديقك منذ كنت أبيض لينا.. منذ كنت رغم ضيقك تحتضن الحب والأشجار والعصافير.. منذ كنت تنام على حكايتي، وتستيقظ على صرير دراجتي.. لِمَ أصبحت حزينا رغم اتساعك، أسود، قاسيا، تقول ملامحك إنك لا تنام بما فيه الكفاية..! لم لا تجبني.. لم تعد قادرا حتى على الحديث!!
سأتوقف الآن عن المشي.. سأعود لأعبرك بسيارتي.. أعرف أن حديثي بها سينقطع سريعا.. اعذرني يا صديقي القديم.. فرغم نصيحة الطبيب لي بالمشي، لن أواصل المشي معك.. لا لأنها، وجميع من تعرفهم رحلوا عنك، أو لأن ساقي توقفت عنهما الدماء أو تكاد.. وقدمي اليمنى نامت، واليسرى تنعس.. بل لأنك أصبحت شيئا آخر.. أصبحت ملوثا بالضجيج، وذا أبنية بشكل الأقفاص والسجون، تلعب تحت حيطانها فئران، بحجم الفيلة!!
Sateeq77@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
