حسبة بسيطة!
|
عبدالحليم البراك
شعر بأن كل ذرات الغبار تتراكم حول فمه، حاول أن يتفرّس في وضعه الجديد، لكن روحه صُليت ببياض قماش يضيق به كثيراً!
الأغطية تلفُّه بإحكام، ثمة ضغط يزداد على جسده المحشور عُنوة بشكل تدرجي، صوت أقدام وضجيج لم يتبيّن أقادمةٌ هي أم مغادرة.
يستعيد - للتو - رائحة حواره مع أبيه، لا يتذكر رغم ما يقوم به من محاولة لعصر جبينه المُترب، وسعيه لفك الاختناق الذي يكتم أنفاسهُ لكن لا فائدة، قال لوالده ان يقرضه بعض المال، برر ذلك لأبيه بأنه: ينوي الشروع في عمل تجاري..
والده رفض ذلك بلا مبرر واضح، ذكره بصوت يشبه طنين الذباب:
- أنا من اشترى لك سيارة، ودفع تكاليف زواجك، وأحسن تعليمك، ماذا تريد أكثر؟!
خرج غاضباً نحو سيارته، فكّر بأنه في كل الحالات ستعود أموال والده له، بحسبة بسيطة أجراها: فسوف يقيم مشروعه، وسيحصل على بيت جديد، اعتمر سيارته بسرعة، وفكر بأنه يمكنه شراء سيارة جديدة أيضاً، وادخار مبلغ لا بأس..
صرير إطارات السيارات يعلو فجأة، وأصوات كوابح تزأر بشكل قطع عليه تفكيره، الأبواق تعلو سطح البناية المجاورة ضجيجاً، وتكادُ - بحزن شديد - تصل السماء!
حاول أن يفتح حدقتي عينيه على اتساعهما ولكن لم يبق له سوى أذنيه، تسيلان لتلتقطا كلّ شيءٍ يقال:
- غطّوه، مات..
- الله يرحمه!!
لم يتبين تحديداً لم سمع كنهه، قطع الحديد المتناثرة تستطيع - بغباء - أن تفسر ضنكه الآن، ولم تعد تُجْد تلك الحسبة البسيطة.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|