الأوقاف الثقافية.. إلى أين؟
|
خالد أحمد اليوسف
ينتابنا الابتهاج والسرور كثيراً حينما نعلم أن فلاناً من الناس قد أوقف جزءاً من تركته لمنفعة المسلمين من بعده، ولن يتردد المسلم بالدعاء له ورجاء الثواب والأجر من الله له في آخرته، ولأبنائه من بعده الذين سيديرون هذا الوقف فيما كان يطمح إليه، حيث إن هذا الموقوف سيعود على الناس كافة بالنفع والفائدة.
ولنا أن نتمعن التاريخ وما كتب فيه عن مفهوم الوقف وحاله لدى المسلمين في شتى العصور، حيث تعددت مجالاته وصوره ونماذجه، صغيرة كانت أم كبيرة، والكتب العربية والإسلامية زاخرة بأجمل الحكايات والأوصاف والمنقولات عن مدن وحواضر عربية وإسلامية وردت فيها معاني الوقف الحقيقي: المساجد، بيوت طلبة العلم، الفرش والسجاجيد، زيوت الإضاءة، المصاحف، الكتب، جوائز وهدايا ومنح طلبة العلم، الأحبار وما يتعلق بها، ثمار المزارع والبساتين.. وغيرها كثير، إذاً مجالات الوقف لا تنحصر في شيء واحد كما هو الواقع في حاضرنا، حيث ينتشر (بارك الله بالموصي والمنفذ وجزاهم عن المسلمين خيراً) في إنشاء المساجد فقط، رغم وجود حالات قليلة في مجالات أخرى، كإنشاء المراكز الصحية، توزيع الكتب، بناء المدارس، وهي حالات فردية نادرة جدا، بل إن التاريخ أثبت لنا تنوع مفهوم الوقف من خلال ما هو مكتوب في أمهات الكتب التاريخية والدينية.
إن الوقف الثقافي الشامل الذي أنشده وأتمنى وجوده هو التوسع فيما يحيط بالمسجد من مساحات لبناء مكتبة عامة تخدم الصغير والكبير، الذكور والإناث، الغني والفقير، قاعات وصالات تهتم بتنظيم المحاضرات والندوات والاحتفالات اليومية والأسبوعية والسنوية، المدارس التي نعلم فيها القرآن الكريم لأوقات معينة تتحول كذلك لتعليم المهن والحرف التي تعود على أبناء الحي بالفائدة العامة، وأجزم أن هذه الفكرة حينما يتم تعميمها على كل المساجد، وفي أغلب الأحياء الواسعة الكبيرة، خاصة أن الدولة قد فرضت على هذه المخططات وضع المرافق في المقام الأول، وأهمها المسجد وما يحيط به، فإن هذا العمل سيوسع مفهومنا للعبادة الحقيقية، المفهوم الإسلامي للوقف وهو جزء من عبادة الله والإخلاص له.
طباعة الكتب وتوزيعها، وهذا الفعل نادر التنفيذ بالمفهوم الشامل للكتاب الثقافي، حيث يعلم الجميع مما نرى ونسمع ونقرأ أن الكتاب الموقوف حاليا اقتصر على الكتاب الديني فقط!، وهذا مفهوم ناقص لوقف كتب العلم والثقافة، ونعلم أن الثقافة شاملة لكل علم يزيد في الوعي ويوسع المدارك وينمي القدرات للعلوم الأخرى.
إن الكتاب الثقافي المطلوب وقفه سيفيد وينفع كل الفئات والأعمار، وسيعبر الآفاق والمواطن والأوطان، خاصة حينما نتجاوز الكتاب الورقي إلى المسموع والمرئي ثم انتشار التقنية الحديثة من خلال السي دي الذي سيطر بقدرته وإمكانياته على صناعة الكتاب نفسه.
إن الوقف عمل جليل خدمي نافع للواقف والموقف لهم ومن يقوم عليه، والكل مثاب ومأجور بحول الله تعالى، فهل نلتفت إليه وندرس أبوابه وطرقه..؟، هل نوسع الدائرة ليعلم الموقف أن الثقافة والعلم يدخلان ضمن هذا الاهتمام وله في هذا الأجر والثواب..؟ آمل من جهات الاختصاص التبصّر والتمعّن من أجل حياة ثقافية أفضل.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|