المملكة العربية السعودية التسمية والتمكين (2 - 2)
|
نايف فلاح
* المملكة الحصة الأولى من هذه المقالة ظلت لا تتعدى وصفها (عرضحال)، وهي من قبيل المقدمة التي لعلها لو طالت في عرف الكتابة الصحفية، لأغنت عن التتالي ولكنها - حسب أهمية الموضوع وعلميته - لن تبلّغنا مبلغ الغناء بل ولا حتى مبلغ التمام، سواء والينا الحصص أو قصرناها على التكعيب كمراع للملامح البارزة، ولا يسّوغ الذهاب أبعد من ذلك مواطئاً (فن المقالة) الذي في كنهه يشير ولا يعبر.. فالمقالة وفقاً لمعاييرها وقوانين الارتباط فيها، ما هي في سمتها، إلا خلاصة.. والخلاصة أكثر ما تكون هيكلاً عارياً، تمنع من بلوغ الإرادة في الشأن المنشود، كما تعوق عن التجمع له إذ إن من عراه أمر تجمع له.. وتتسبب، أيضاً، في عدم الإحاطة بالقضية بله النفاذ إلى صميمها.. ومن جد في خوض مجال كهذا، ففي وسعه أن يخوضه ولكن في معارض ومساحات أخرى، أما من كان في قياد المقالة فليس في وسعه القبض على الموضوع إلا إذا حاول القفز نحو اللباب، وليت شعري من يميز القشرة من اللباب...
أحسني قد أشقيت صبر القارئ، وأطلت له الفاتحة، فبنا نخلص إلى الموضوع..
***
(المملكة العربية السعودية)
من حيث التسمية ومن حيث التمكين هي شعار أعمق من كونها دلالة سياسية أو شارة دولية، سيما وانك ترى إلى رايتها الخضراء فتجد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) التي تربط بين حركتين أو توازي بين مسارين ، مسار الأرض ومسار السماء.. فالراية كرمز معنوي تبقى دائرة كبرى (إسلامية) تستبطن دائرتين معنويتين، لتكون الصغرى هي (السعودية) والوسطى هي (العربية)، فإذن أمامنا ثلاث هويات الصغرى فيها توصل إلى الكبرى ولا تقطع الطريق إليها. لهذا فإن الدوائر المتراحمة، لا تنقض بعضها وإنما تنبض لبعضها.. فلا أثب إلى (المملكة العربية السعودية) من حيث التسمية ولن أجوس مسألة هل الاسم هو ذات المسمى أم الاسم مغاير للمسمى؟! فهذا يهم من له انتباه في علم الكلام، ويقدر على درجه ضمن المقصود.. وما يهمنا نحن هو أن نقف عند التسمية، تحليلاًُ وتوقيعاً.. بداية عند (المملكة) بوصفها مجالاً مكانياً ثابتاً.. والتي هي من (المُلْك) الذي هو مجال بشري متحرك.. والذي جعلته السياسات المناهضة التي ما انفكت عن حركة الأهواء الشخصية، جعلته محاكياً أو رديفاً لمعنى الاستبداد والتسلط، واختلقت الأوهام منه رقاً جديداً، حتى بات لفظ (المملكة) أو (الملك) يخرج منهم مخرجاً غير سري، وتحديداً عند أشهر واجهتين سياسيتين في عالمنا العربي والإسلامي، يمثل أولاهما دعاة الخلافة المثالية، ويمثل ثانيتهما الديمقراطيون الذين مازالت تعمل فيهم دعاوى الثورات العربية التي أجلى الواقع ترهلها... ف(المملكة) اسم مكان عند أهل اللغة وأهل العمران، لذلك نجدها في نظر خير الدين صاحب (أقوم المسالك) دائماً ما تكون محدودة المساحة..
و(الملك) كمصدر أكثر ما يأتي عنده في أعم المعاني التي يمكن أن يدل عليها وهو معنى الحكم عامة ومن دون تخصيص.. أما في سياقات ابن خلدون يبقى (الملك) أعم من الخلافة، باعتبار أن الخلافة طبيعة ثانية والملك طبيعة أولى، وليس في هذا الرأي تفضيل وتبريز بقدر ما فيه من تقرير، وهو أعم لأنه تشترك فيه جميع الأمم ويقترن بجميع الشرائع.. ولابن خلدون تحقيق بالغ في هذا الأمر إذ إنه (لما تبين أن حقيقة الملك نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا، فصاحب الشرع متصرف في الأمرين، أّمّا في الدين فبمقتضى التكاليف الشرعية التي هو مأمور بتبليغها وحمل الناس عليها، وأمّا في سياسة الدنيا فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشري، وقد قدّمنا أن هذا العمران ضروري للبشر وأن رعاية مصالحه كذلك.. لئلا يفسد إن أهملت، وقدمنا أن الملك وسطوته كاف في حصول هذه المصالح..
نعم إنما تكون أكمل إذا كانت بالأحكام الشرعية لأنه أعلم بهذه المصالح، فقد صار الملك يندرج تحت الخلافة إذا كان إسلامياً ويكون من توابعها، وقد ينفرد إذا كان في غير الملة)(1) .
وليس يغيب عن الذهن، وإن غاب كثيراً عند بعض الكتاب، بأن ابن خلدون قبل كونه مؤرخاً في العمران أو الاجتماع، كان فقيهاً مالكياً، وناهيك بفقه السادة المالكية الذي من إبداعاته (المصالح المرسلة) .. وما خرج به ابن خلدون لم يستبعده كتاب النهضة في الحركة الإصلاحية التونسية، كأن تلفي خير الدين يؤكد بأن (ملك الإسلام مؤسس على الشرع)(2)
وفي موطن آخر يفصح عن رأي مؤسساتي حين يقول (وأنا لا ننكر أن يوجد في الملوك من يحسن تصرفه في المملكة بدون مشورة أهل الحل والعقد)(3).. حتى رصيفه ابن أبي الضياف، لا ينتحي بعيداً عن رأي إخوانه الإصلاحيين في مصنفه (إتحاف أهل الزمان) غير أن موقفه لا يفتأ يضطرب بين عد الخلافة قسماً من (الملك) وعدها الضرب الوحيد من الحكم الذي يقبله الإسلام.. وهناك رجل الشريعة والقانون المعروف (الشهيد عبد القادر عودة) الذي أصل بدراية وجدارة معنى الملك في القرآن مستنتجاً أن في اللفظتين تطابقاً أو بينهما خصوص وعموم.. كي يخلص فهمنا بأن (الملك) كنظام حكم مساو للخلافة أو لعلنا نتحرز ونغالي في التحرز ونقول كما يقول الرياضيون، الملك = الخلافة.
المراجع:
(1) 392، المقدمة.
(2) 137، أقوم المسالك
(3) 103، أقوم المسالك
Nf1392@hotmail. com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|