محاكمة شهر زاد «4» تأملات في كتاب (الحريم الثقافي بين الثابت والمتحوّل).. لسالمة الموشي سهام القحطاني
|
لا يستطيع قارئ كتاب (الحريم الثقافي) أن يتجاوز خلال قراءته التّقابل مع شذرات الفيمينزم (الأنا الآخر) التي سيطرت على الكتاب، بل لعلي أزعم أن الكتاب قد بنى هيكله الأساسي عليها، وهنا أستطيع القول إن السيدة سالمة استطاعت أن تنجح كثيراً في تطبيق النظرية الأنثوية في الشواهد المساقة، وأنا لا أهدف في هذا الجزء من التأملات أن أدخل في تفاصيل النظرية النسوية أو الأنثوية كما نترجمها إلا بقدر ما يحتاج لتوضيح ما في هذا الكتاب.
تقوم النظرية الأنثوية بالتقسيم الثنائي التقاطعي بين (الأنا الآخر) وهي بذا تتبنى ثورة إعادة صياغة واقع المرأة الاجتماعي وفق ثنائية (الأنا الآخر) وعلل انحطاط المرأة في المجتمعات، وتهدف تلك الثورة إلى تعليم المرأة كيفية الاستقلال عن الآخر، ولتكون هي دون الآخر مرجعاً لذاتها، وبناء دورها وخطابها الإبداعي كفعل مقاومة ضد الآخر الذي يعني (الأعراف) بمفهوم المجتمع العربي التي صاغت الذكر والمرأة ذاتها والسلطة، وهكذا فدائرة صراع المرأة مع الآخر تتمثَّل مع السلطة الأبوية للمجتمع.. لكن هل جوهر الصراع بين الأنثوية والمجتمع الأبوي، بيولوجي أم معطى أنثوي؟ أي البناء الثقافي والاجتماعي الذي على الاعتبار أن تمثّله المرأة وتكوّنه من خلال أنساق من الأفعال والممارسات الواعية التي تؤلف قوة في مواجهة السلطة الاجتماعية وتغييرها، لتصبح نتاجاً ثقافياً وتاريخياً، وهكذا تقوم النسوية على زمرة من (منظومات المفاهيم والافتراضات والتحليلات التي تصف أوضاع النساء وتجاربهن وتقف على أسبابها وتقدم رؤى ووجهات نظر تتعلّق بكيفية تحسين هذه الأوضاع أو تغييرها).. ولنقترب من مفهوم الكتابة النسوية أكثر أقول: هي تلك الكتابة التي تتتخذ موقفاً مضاداً من السلطة الأبوية والتمييز الجنسي، على مستويين مستوى الوعي بالأنا والذات ومستوى تثوير أشكال وأدوات الخطاب الإبداعي، وذلكم إدراك أولي مهم استيعابه من قِبل المرأة الكاتبة، أقصد استيعابها لدور النص النسوي الذي تكتبه وأهدافه، وهذا لن يكون إلا عبر استيعاب ثانٍ لمفهوم الآخر وأشكاله وأدوراه وسلطاته ومفهوم (الأنا) و(الذات) ومعانيها وأدوارها ومسئولياتها وسلطاتها، وهل الذات هي الأنا، أم الوجود الأنويّ يختلف عن وجود الذات؟ لا شك أن الأنا والذات مستويات من مستويات تعريف الهوية وضبط أدوار ومسئوليات الشخصية الفاعلة، واختلافهما هو اختلاف تراتبي لا تقاطعي، فالأنا تسبق الذات، والذات أكثر معرفية من الأنا، وأي نص لا يعبّر عن الذات إلا بعد تحديد هوية أناته، كمرحلة سابقة قبل تنفيذ مقولة الذات، وهنا تبدو إشكالية المرأة الكاتبة في المقام الأول، إشكالية تفكيك مفهومي (الأنا الآخر) وحل لغزها، وجهلها بهذا التفكك وترتيب مقاطع الصورة كما ينبغي، أدى إلى (طمس الأنا) عبر التّناسخ مع الآخر، متوهمة الكاتبة أن نظرية الإحلال عبر الأنا مع الحِراك الاجتماعي (التجربة النمطية) يمثّل دور ومسئولية التعبير الكتابي، عندما تمركز (الكاتبات في أعمالهن حول ضرورة إعلاء الحِراك الاجتماعي والمشهدي، مقابل طمس (الأنا) أو استنطاقها، وهي حقيقة وجود قائمة وسارية في سياق الخطاب الروائي القصصي) ص 75 والرؤية بهذا المنظار لا تعني خطأ في جملته، بل في تفاصيله، ف(الكتابة عن الحياة الأُسرية، وحكايات الأزواج والزوجات والخواطر العاطفية) ص 75 فالكتابة من خلال الأُسرة والبوح الخاص وعلاقات وقضايا الأزواج والزوجات، قد تخرج عن دائرة التهميش وتتحوّل إلى مفاعل تفجيريّ لو غيّرت المرأة وجهة البوصلة أثناء فتح ذاكرتها، ولا شك أننا لا نغفل دور ومسئولية العقل المستزرع في محو ذاكرة المرأة فيما يتعلَّق بوعيها بأناتها وذاتها، وسياسة إحلال الآخر عبر الأنا، والمرأة ذاتها أرادت ذلك بدليل اننا (نجد النص الأنثوي مفرط التناسخ بعضها مع بعض) ص 60 إنه هروب مقصود من التعبير عن الأنا لارتفاع كلفة جمركته الاجتماعية، فيكتب النص (ليهرب الكلمات المباحة إلى الورق، وليس ليهرب الورق إلى المباح، وهو نص نجد فيه صوت الكل بسطوته الأولية والتاريخية، صوت الرقيب، صوت سياق الحكاية المفترض أن تكون، أصوات كثيرة مشتتة، باستثناء صوت الذات، وهو نص يتجه دائماً إلى هذا الكل، وينتمي إليه وليس إلى بصيرة مكنون الذات كما ينبغي لها) ص 52 أو لسهولة التعبير عما سواه، وفق قاعدة (بضاعتنا ردت إلينا)، فالمحاكاة للفعل المستهلك والقول المستهلك يرضي خطاب الذاكرة، ويؤمن للنص حضوره الاجتماعي وتزواجه مع السلطة الأبوية، وهذا ما جعل الكتابة النسائية ترتكز في بناء مضمونها و(في سياق تواترها منذ السبعينيات على مفهومين أساسيين هما: محاكاة الواقع، وسيادة الخطاب الاستهلاكي وكلاهما غيّبا الذات الأنثوية دون هوادة.. بل هناك نماذج خطاب تقنعت، وقامت بنفي الذات الكاتبة، والفاعلة في نسق المحكي) ص 69.
إن الوعي بالأنا والذات مسلّمتان لخلق الكتابة التنويرية، وأقصد بالكتابة التنويرية مواجهة الآخر بسلطاته المختلفة لفرض حقوق الأنا وأدوارها ومسئولياتها، ولعل قارئ هذا القول قد يسأل، وهل بالضرورة أن يكون النص الكتابي ذا توجه تصادمي وانقلابي وثوري ضد الآخر، ليعبر عن (أنا الكاتبة)؟ وأنا أختصر تلك التوصيفات بوصفين (التنويري الإصلاحي) هذا ما يجب أن يعبّر عنه النص الكتابي الإبداعي، أو هكذا أعتقد، وهذا يطرح أمامنا قضية دور التعبير الكتابي النسائي ومسئوليته، فهل استطاعت الكاتبة السعودية أن تعبّر عن ذاتها فيما قدّمته من نصوص مكتوبة؟ هذه الجدلية التي تحاول الأستاذة المبدعة سالمة الموشي أن تناقشها بأسلوب (جلد القطط) أثناء محاكمتها (النص الكتابي النسائي)، لكن علينا أن نستوعب أن مكاشفة الذات الانهزامية عبر آلية التجربة الحياتية (النمطية)، في النص الأدبي هي قيمة أولى في ذاتها، قيمة انزياح وتطهير، وإن كان هذا لا يعني أنني أنكر على النص الأدبي من إيجاد (قيمة المحتمل التكوين) الذات المطورة لكن المبالغة غير محمودة في كلا الحالتين!
لا شك أن قضية تطوير ذات المرأة الإنسان، أصعب مما نتصوَّر، لأنها محكومة بنظم مستبدة هي التي تعيق تحولاتها البنيوية، وليست المرأة المتهم الأوحد في تفعيل تلك الإعاقة، لكنها الأشد أثراً في تسببها واستمرارها، فالمرأة لدينا تكتب النص داخل علاقة حميمية وخاصة جداً مع التجربة النمطية، وهي التي تحدد لها إطار التكوين، وترسم لها دائرة التّواجد، وثمة أسباب لذلكم، منها سيطرة عقدة أنها كائن (أقليّ منبوذ) مؤسس لتاريخ الخطيئة، هذا الوهم الذي أوقع وعي واللاوعي الكاتبة في شبكة سيطرته، هو المتحكم الأول في إنتاج النص الكتابي نتيجة (تعزيز هذا المخيال القاهر من خلال النص الذي تكتبه المرأة لهو تعبير عن اللا شعور الجمعي وسلطته النافذة في ذهنيتها) وهكذا يصبح النص (الذي تتبعه الذات الأنثوية الكاتبة، هو امتداد لسياقات نفسية، ومجتمعية، وثقافية يصعب الفكاك منها) ص 61 62 .
على العموم سنقف ونتأمل كيف حاكمت الأستاذة سالمة الموشي النص الكتابي النسائي، فالتجربة كلما تصاعدت بانت قمة جبل الثلج، لكن لأن يكون السفح هو الأبرز كلما تصاعدت التجربة، يعني ذلك أن مفهوم الصعود هاهنا هو الارتفاع برفع القدمين!!
بدأ النص الكتابي النسوي السعودي في الظهور مع (بداية السبعينيات) بداية مع تجربة السيدة (سميرة خاشقجي) ثم توالت التجارب الأدبية المختلفة من قصة ومقال وشعر وخاطرة، لتظهر أسماء مختلفة الأشكال والألوان، مثل نجاة خياط وصفية عنبر، هدى رشيد، ثم لطيفة سالم، نجوى هاشم، هند باعفار، خيرية السقاف، رجاء عالم، ثم أميمة زاهد، أميمة خميس، جيهان حكيم، نورة الغامدي، ليلى الجهني، زينب حفني، هيفاء اليافي، ليلى زعزوع، سامية العامودي، انتصار العقيل، أمل الفاران، ليلى الأحيدب، وفي مجال الشعر، ثريا قابل، مريم البغدادي، فوزية أبو خالد، عزة فؤاد، رقية ناظر، سميرة لاري، شيرين شحاتة، وغيرهن، فكيف بدأ؟ وهل استطاع التمرد على معوقاته، وتطوير ذات المرأة المتلقي عبر النص التنويري؟
ترى الأستاذة سالمة في تقييم أولي، أن بدايات النص المحكي النسوي كان يتصف ب(الإرباك، والاختلال بين الذات، والوعي المنمط الذي تسلل إلى النص المكتوب في سياق مضمونه) ص 53 لكن لو وضعنا في الاعتبار أن نصوص السيدة سميرة هي نتاج خارج نتاج العقل المستزرع المحلي، بل كانت نتاج التأثر بالتجربة الكتابة الرومانسية للأدب المصري والسوري، لذا لا أعتقد أن تجربتها شاهد عيان للنص النسائي منتوج العقل المستزرع المحلي، وعلى العموم التوصيف السابق للسيدة سالمة هو توصيف شامل لكل ما أُنتج في هذه المرحلة سواء بقلم نسائي أو رجالي, وأتفق معها في باقي التجارب النسوية.. إنها منتوج العقل المستزرع المحلي، الذي تنسقت حول ثالوث قوي (كونه حراكاً فكرياً مكتسباً وثابتاً اتسامه باعتبار إنجاز بخاصية اتباع السائد) ص 60
كما ترى الأستاذة سالمة أن ما كتبته الكاتبة السعودية هو نص (أدبي) لا نصاً (إبداعياً).. ف (نحن لا نحظى إلا بمنجز أدبي وليس إبداعياً، منجز خارج من دوافع متطلبات امتثالية، استهلاكية لا تصطدم، ولا تشكِّل انزياحاً، أو متغيّراً، بل تقدم مساهمات كتابية مختلفة في صناعة قناع لائق، مقبول تقوم الكاتبة من خلاله بأدوار البطولة) ص 67 إن الإبداع هو ميل الإنسان لتحقيق ذاته واستغلال أقصى إمكاناته لتحقيق تلك الذات كما يقول روجرز والإبداع عملية تفاعلية قوامها الاحتكاك المباشر والإيجابي بين الفرد والجماعة.. فهو لا يتم في فراغ، ولا ينتج من فراغ.. وهذا التعريف للإبداع قد يكون أشمل من التوصيف السابق للأستاذة سالمة، إذ حتى التجربة النمطية تُمثِّل جزءاً من الإبداع لو استطاع الكاتب خلق فيما يقدم صورة عن نفسه وصوراً مختلفة عن قارئه وهو بذلك يصنع من خلال نصه (قارئه ونفسه) كما يقول الناقد الأمريكي (واين بوث) وهكذا تتبلور خصوصية الأثر الأدبي من خلال ولادة حية وإحضار فاعل للا وعي الجماعي، وهو ما يحقق للخطاب الأدبي دوره التنويري، فالخطاب كما يعرفه فوكو (ليس وعياً يسكن مشروعه في الشكل الخارجي للغة، ليس الخطاب لغة تضاف لها ذات تتكلمها، بل هو ممارسة لها أشكالها الخصوصية من الترابط والتتابع)، وبذلك تصبح الكاتبة عاجزة عن حقن شخصياتها الحمولات التي تعبر عن أناتها مقابل سلطوية الآخر وهو ما عطّل (الذات الإبداعية مقابل الذات الكاتبة) ص 66 نتيجة هذا التعطيل (استحالة وجود البطلة التي تحلم الكاتبة بوجودها، وتحلم بأن تحمل أفكارها في أرض الواقع، ومن هنا بالضبط تخسر الشخصية الفنية الروائية لمصلحة الشخصية النمطية أو لمصلحة الفكرة التي تحاول الكاتبة أن تجعل البطلة تتلبسها فتفشل لأنها تأتي من خارج سياقها الموضوعي، الثقافي، الاجتماعي) وهي أساس (الإشكالية الفنية والموضوعية في رواية المرأة) كما يقول.
إن استسلام الكاتبة للتجربة النمطية التي يفرضها المجتمع الآخر بأشكاله وأدواره ومسئولية القوامة لا شك انه أسهم في تغييب (روح الإبداع، تبعه بالضرور تغييب لامتلاك الخطاب، الإصرار على البقاء في ثابت التقريرية، والإنشائية.. هناك منطقة سطح، لا تتوخى غوراً، أو استشرافاً، أو تعبيراً عن واقع بديل، تنعم فيه القدرة على تكثيف الوعي بما يحدث جدلاً في الثيمة التي تعتبرها الأساس الحركي للقص أو كتابة الأنثى) ص 68 .
كما أن الأستاذة سالمة تعرض لنا أهم خصائص النص الكتابي النسوي، وهي تتوقف أولاً أمام غلبة الرومانسية، فتقول إن الكتابة النسوية (لم تتخلص الكتابة الإبداعية عند المرأة من الانتماء الرومانسي مثلما لم تنتم إلى ذاتها، أو إلى صوتها الداخلي في كل ما كتبته حتى اليوم بوصفه إبداعاً يفصح عن مكنون أو رؤية الذات الأنثوية) ص 50 فإن نص الكتابة النسائية في مجمله كتابة رومانسية، باستثناء التجربة الكتابية لرجاء عالم ونورة الغامدي وهذا أمر طبعي، منها، إنه سهل التأليف لا يحتاج إلى حرفية، وهو أجمل الأساليب الانسحابية التي يمارس من خلالها الفرد عصيانه الأبيض لسلطة المجتمع، كما أنه يخفي ضعف الكاتبة وجهلها بفنيات الفن القصصي، وهذا ما يحول القصّ الأنثوي (في المراحل كافة تقريباً كونه كثير الشبه بما يدور شفهياً في مجالس الحريم في محتبساتهن) ليكون قريباً مما تألفه الكاتبة من حكيها الشفوي (يمكن استنتاج مدى تشابهها بالخطاب الشفوي باعتبار انعدام الفارق الكبير بين مضمون الحكاية الشفوية والكتابي) 64 إضافة إلى أنه الأسلوب الأقرب لنغمة الشكوى والاستلاب والجدار المكين للاستناد، وخطورة غلبة هذا الأسلوب، إنه شكّل فيما بعد طبيعة الأثر الأدبي في خاصيته الحادية.. هذه الخصوصية هي التي (سرت في النص الأدبي مثل شعور جمعي عمل على تأييد الذات الكاتبة في فكر رومانتيكي خاص وهي الفكرة الأساسية التي اختزلها النص في بنية سوسيولوجيا تعرف بوحدة الأثر أو طابعه الخاص) ص 53 عقدة الآخر التي تظل تطارد النص النسائي وتوقعه في فخ تغييب الذات عبر الإحلال في ذلك الآخر الرجل، ولهذا ظلت (تعاني الذات الأنثوية الكاتبة في نموذجها الأدبي من مطاردة بطل وحيد هو الرجل، وهو تقليد كتابي يصعب غيابه من النتاج الأدبي الأنثوي المحلي) لذلك يشكّل الرجل الآخر، مركز اهتمام النص النسوي بأشكاله الكتابية المختلفة مثل (الكتابة عن الحياة الأسرية، وحكايات الأزواج والزوجات والخواطر العاطفية) ص 75 لأن إيمان المرأة داخل النص هو انعكاس لإيمانها خارجه وإيمانها الاجتماعي يفرض عليها أن تشكّل ذاتها من خلال ذات الرجل، وبما أن الذات مصدر الوجود، أضحت الكاتبة تبحث عن (وجودها من خلال آخر ليس إلا الرجل الذي في الغالب تصاحبه في الحياة (زوج أبأخ).
إن إدراك وجود هوامش حول الدائرة المهيمنة والنظر إلى محتواها برؤية محايدة، إن كان هو المقصد الأخير، فقبله تعريفات لا بد للنص النسائي من استيعابه وتنفيذه وفق تراتبية ثلاثية لمنهج هيجل، مرحلة الوعي بمفردات الخطاب الأبوي المهيمن، ومرحلة تفكيك هذا الخطاب وتعرية تناقضاته مع مستحدثات الواقع، ثم تشحين الخطاب النسوي المنتج بالرؤية المغايرة، وهذا ما يسميه هيجل العقل الإيجابي، وهذا لا يحقق للنص النسائي إلا عبر مساعدة النقد النسوي، لكن ما حدث لدينا أن نقد النص الأنثوي من قبل الآخر الذي يلف خارج الهدف (كوني نفسك) ليرسخ ذات الفكرة فكرة الإحلال عبر الآخر، وهكذا دفع (بنص الذات الأنثوية الكاتبة إلى التكاثر بأنماط رديئة، لا تملك صوتها، أو خطابها بدءاً من التأسيس، وانتهاء بالحضور على هذا النحو أو ذاك) ص 177 لأن النقد الذكوري يسعى إلى فرض تأنيث النص النسائي، التأنيث بمعناه البيولوجي لا بمدلوله كمعطى أنثوي، لأن انزياح النص عن منطقة البيولوجية الظل لمنطقة المتحوّل هو خطر يهدد سلطة السائد بمعاييرها الأبوية ولعله دافع الدكتور معجب الزهراني إلى تحذيره (من امتلاك المرأة الأدوات الكتابية، لأن ذلك مما يشكّل خطورة) ص 196 والمشكل الآخر، المرأة ذاتها، منتوج العقل المستزرع ومصاغ السلطة الذكورية اللائي مثلن (التيار الدعوي) وهو ما جعل المرأة الأنا مع المرأة الآخر، وهكذا تنقسم المرأة على ذاتها، لتصبح أنا وآخر (فالنسوية الإسلامية) التي تمثّلها المثقفة الدعوية تقابل (النسوية العلمانية) التي تمثِّلها المثقفة الخارج على مألوف الخطاب النمطي، أقول خارجة عن الخطاب بقدر مساحة الخارج، لا بقدر مساحة تكوين خطاب مواجه للخطاب النسوي الإسلامي، وقد فشلت من قبل في تجذير مساحة الخروج، فضلاً عن مساحة التكوين، ولا تلام المثقفة العلمانية، وإن كنت أفضل لفظ التنويرية إذ إن فكر الأغلبية الأنثوية هو فكر مؤسسي نامٍ على الجدار الديني، وليس بالتأكيد هو جوهره، يقاطع حيثيات الخطابات الراهنة في الإبداع إجمالاً لا المرأة فقط.
لقد استطاع النقد كونه يمثِّل صوت الآخر أن يكون قوة بوليسية تجسسية على النص النسوي ويوجهه حيث شاء، وهذا ما جعل النص الكتابي النسائي تحت مرآة مقعرة، إنتاج مراقب (ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التي يكون دورها هو الحد من سلطاته ومخاطره)، وكون المنهج الخفي عقدة ناقصة عقل ودين وصوتها عورة ومؤسس الخطيئة والأقلية هي المحركات الرئيسة أولية لدفع المرأة حول مساحات الرسم، ثم محركات مكتسبة (أولية الفكر المستزرع في العقل الأنثوي، ووعي أزمة الانزياح الذهنية المجتمعية بكل مبرراتها إستراتيجيات سلطة المنافذ الإعلامية الرفض الواعي، واللا وعي لخطاب الذات الأنثوية، واعتباره شكلاً مسطحاً) ص 205 وتلكم الأشياء أفقدت نصها دور فعل المقاومة تغيير البنية الفكرية لإحداث تغيُّر اجتماعي ينبثق من أنا الرفض وتحليل علل النقص وتوجيد رؤية استبدالية تتفق مع تنفيذ الأنا.. دورها ومسئوليتها في تفكيك الثابت والتأثير في المتحوّل.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|