يعد أحد روادها الفنان العبيد يصرّ على الواقعية الشعبية
|
*إعداد: محمد المنيف:
تطرقنا من خلال الحقيبة في أعداد سابقة لعدد من الفنانين قدمنا خلالهم تجارب وأساليب متميزة أثرت الساحة وأضفت عليها بعداً معاصراً نافسنا به الكثير من التجارب العالمية. استطاع أولئك الفنانون بتجاربهم تلك الجمع بين واقع التشكيلي الحديث والاحتفاظ بمصادر الإلهام المستقاة من مورثاتنا الدينية والتاريخية ومن الواقع البيئي الذي سحر المستشرقين.
وإذا كنا قد قدمنا الجانب الحديث فعلينا أيضاً أن نعطي للتجارب الأخرى نصيبها باعتبارها جزءاً من مسيرة الحركة التشكيلية المحلية من خلال مسيرة فنان يعد من الرعيل الأول حضوراً ومساهمة في إثراء الساحة التشكيلية في مراحلها الأولى هو الفنان (سعد العبيد) من مواليد 1364هـ، خريج معهد المعلمين، مارس العمل رساماً في التلفزيون السعودي وقدم معارض شخصية قبل أن يعد لهذا الفن إدارة رسمية جاء ضمن برامجها إقامة المعارض الجماعية، فكان للفنان سعد العبيد وجود بارز فيها، مع ما يساهم به في معارض يقوم على تنظيمها قطاعات وإدارات أخرى، إذ استطاع من خلال هذه المسيرة أن يضع له موقع قدم ومكانة في مسيرة الحركة التشكيلية السعودية، حظي من خلالها بفرص كثيرة من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو جمعية الثقافة والفنون منحته الوجود العربي والعالمي عبر مشاركته في المعارض الدولية التي تقوم تلك الجهات على تنظيمها مع ما حظي به أيضاً من تشريف في تمثيل الفن السعودي في بعض من تلك المناسبات.
ويمكن القول إن الفنان العبيد الذي تلقى مهاراته بجهوده الخاصة رائد من رواد الفن الواقعي في الساحة المحلية.
***
العبيد وبساطة التنفيذ
لا يمكن لأي زائر لمعرض جماعي لفنانين سعوديين أن يتوه أو يحتاج للبحث عن أعمال الفنان العبيد نتيجة امتلاكه خصوصية تتمثل في بساطة تنفيذها وفطرية التعبير وقربها للواقع بكل حميمية ومودة، ففي أعماله حرص مفرط في نقل الواقع واقتراب إلى درجة التعايش التام للوصول إلى أدق تفاصيلها على رغم وجود صعوبات كثيرة في قضية رسم الأشخاص، ومع ذلك تبقى تلك المشكلة هامشية، وقد يتجاهلها المشاهد الذي تجتذبه بقية العناصر المتعلقة بالبيئة العامة كالصحراء والجبال والأشجار إضافة إلى ما وصل إليه من نتائج في استخدام كل معطيات البالتة في التلوين حيث تظهر لنا اللوحة بمجملها وكأنها قد جمعت من قطع الفسيفساء كعائلة لونية استطاع العبيد ترويض تضادها وتنافرها لتصبح ألواناً ذات جاذبية تتفق مع بقية عناصر العمل، هذا الأسلوب أو التقنية عند الفنان العبيد لم تكن وليدة اليوم أو سنوات قريبة بقدر ما جاءت مكتسباً تراكمياً منذ أن رسم لوحات ديكور التلفزيون مروراً بمشاهداته للمعارض العالمية وتأثره ببعض الفنانين العالميين عبر مطالعاته لأعمالهم.
***
الإخلاص للواقعية الشعبية
عبارة أو صفة (الشعبية) كما يتفق عليها الكثير تعني أي إبداع يكتسب إعجاب العامة عوداً إلى ملامسة المبدع أياً كان مطرباً أو شاعراً أو قاصاً أو رساماً للجوانب التي تعبر عن واقع العامة وتحاكيه بشكل مباشر.. لهذا يمكن لنا ان نطلق على الأعمال الفنية التي تتماشى مع هذا التوجه بالشعبية نتيجة انتشارها وإقبال الجمهور عليها، ولنا في هذا الفن الكثير من الشواهد والأسماء، منهم على سبيل المثال الفنانون عبد الرحمن الحواس وعبد المحسن أبا حسين وصالح النقيدان وعبد المحسن الطوالة مع الاحتفاظ بالرأي الفني في اختلاف مستوى التقنيات ودقة التنفيذ خصوصاً إذا وضعنا الفنان إبراهيم الزيكان والفنان سامي الحسين أمثلة لأعلى مستوى تقني في اللوحات الواقعية السعودية وتركنا المقارنة للمتابعين لهذا الفن في الساحة، هذه الأمثلة تعيدنا إلى ضيفنا اليوم في الحقيبة التشكيلية الفنان سعد العبيد الذي ما زال يصر على الواقعية مع محاولات قليلة في جانب السريالية كما نشاهدها في لوحته (ذات ليلة) أبعدته كثيراً عن حقيقة إبداعه الذي استلهم فيه موضوعات تتعلق بالمشاهدة المباشرة تحقق فيها الواقع بشكل سلس دون تكلف كما شاهدناها في المعرض الأخير لمجموعة ألوان وتم فيه تكريمه من قبل أعضاء المجموعة تظهر تسلسلاً لمراحله مع ما يستعرضه في ألبوماته التي وثق فيها تلك المراحل وما تكشفه من علاقة كبيرة بالبيئة بإحساس مفعم بالثقة ما أبقاه في حيز الفنون التسجيلية المباشرة، فجاءت تلك النقلات التي يقدمها بين حين وآخر من محاولات في الخروج عن المألوف في إطار الإيحاء العام الذي عرف به من خلال أدواته وأسلوب تقنياته في الخطوط والألوان مع أن مثل ذلك التحرك، ولو بشكل محدود يحدث خللاً في نظرة المتلقي ليطرح التساؤل في حال عدم تمكنه من تحقيق الجديد في بحثه عن سبل التطوير ومسايرة الجديد، ولهذا فبقاء الفنان العبيد في مساره الذي عرف من خلاله يجعله أكثر أماناً وأكثر تواصلاً مع جمهوره الذي تقبله وأعجب بنهجه ودفع ببعض الجهات والأفراد لاقتناء أعماله. نعود للقول إن لكل طريقة محبيها ومنها الفنون الكلاسيكية على مختلف درجاتها وقدرات أصحابها.
***
مصادر إلهام العبيد
يمتلك الفنان العبيد مختزلاً واسع المساحة لمظاهر الحياة الشعبية القديمة مع ما يمتلكه أيضاً من قدرة على استعادة واقع وأنماط البناء والزخرفة وخلافها، ولهذا نجده قد نقل الكثير من تلك المظاهر الحياتية لمرحلة من مراحل واقع البيئة التي عاش فيها؛ وهي البيئة النجدية، فاستطاع أن يقرب المسافة وينقل الماضي ويقوم على توثيقه وعرضه والتعريف به، لهذا جعل لهذه التجربة الشعبية في الفن التشكيلي بجوانبها الموضوعية والتكنيكية كلها مكانتها في وقت تجاوزتها تجارب الكثير من الفنانين ممن عاشوا وتعايشوا ورسموا بعضاً من تلك المظاهر منهم الفنان السليم والرضوي والحماد والدهام... إلخ، تحولوا بعدها إلى مراحل أكثر معاصرة وبحثاً عن جديد التعامل مع الفكرة والموضوع بمنظور حديث مع إبقاء الروح، ما يعطي لأعمال الفنان سعد العبيد صفة مغايرة عن مثل تلك التجارب والتجاوز، فبقاء الفنان العبيد وأمثاله المخلصين للواقعية يجعلنا نقدر تجربتهم وأسلوبهم التي تجد لها احتراماً من المتلقي العام أو الجمهور الشعبي في زمن اخذ فيه الفنانون من أصحاب التجارب الجديدة مواقعهم في مساحة المنافسة العالمية المعاصرة، كما تبعهم الشباب بنظرتهم المنفتحة على فنون العالم وتلقيهم نسمات العولمة التشكيلية لتبقى تلك الأعمال مرجعاً ومحطة محلية تحمل في ثناياها توثيقاً لإحدى التجارب التشكيلية في مسيرة هذا الفن مع ما تحمله من أسلوب صادق في نمط التنفيذ دون تكلف، وبما عرف من خلالها من خصوصية في التلوين التي يعتمد فيها الفنان بشكل واضح على الألوان الأساسية الثلاثة كما جاء في كثير من أحاديثه عن تجربته الفنية.. إذ نرى تأكيده على وضع اللون مباشرة مع تصرف نحو منحه شيئاً من الشفافية بالأبيض أو إضافة بالأسود حينما يوظفه للظل أو المساحة القاتمة، فأصبحت الألوان الأصفر والأحمر والأزرق ومشتقاتها عصب اللون في أعماله دون تكلف أو بحث عن مزيج جديد قد لا يحقق رغباته، ويعبر عن مشاعره مهما كانت مطابقة للواقع، فالعبيد يتعامل مع اللون كأداة تعبير وليس تجسيداً أو مطابقة للشكل المراد رسمه.
monif@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|