هل يُعدُّ الكاتب المحترف أجيراً؟
|
استكمالاً لمقالي السابق بعنوان: قرض الكتب لا يغني عن قرض العشب... تعليقا على مقال الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي.. رأيت أن أتعرض لموضوع الكتابة في الصحف عموماً.. وقد سبق أن كتب الأستاذ عبدالله خياط في جريدة عكاظ الصادرة يوم 14/9/1421هـ ما نصه: لقد ظل الأستاذ محمد عمر العمودي لسنوات طوال يعيرنا نحن معشر الكتاب بأنه الكاتب الوحيد الذي لا يتقاضى أجراً لما تنشره له جريدة عكاظ من مقالات.. وفجأة تكشف الأيام أن له مكافأة تماثل غيره من الكتاب... تسلم حصيلتها التي تجاوزت مائي ألف ريال..
ولا أريد هنا إثارة المعركة بينهما من جديد.. بعد أن تمت تسوية الموضوع مع فنجان قهوة في بهو أحد فنادق جدة الممتازة.. دون أن يكلف أحدهما نفسه عناء إشعار القراء بالتسوية المتفق عليها.. والمعروف عن الأستاذ العمودي أنه يعمل مستشارا قانونياً لدى عدد من الجهات.. ومعظم القوانين تعتبر المبالغ المالية التي تصرف لشخص ما مقابل عمل معين أجراً.. ومن هنا جاء اعتبار الاستاذ العمودي أن ما يتقاضاه الكتاب في الصحف من مقابل مادي هو في حقيقته أجر.. وأن الكاتب هو مجرد أجير لدى المطبوعة الصحفية التي يكتب فيها (!؟) ولم نقف على رايه عن المشاركات المجانية: هل تعتبر جهداً غير مشكور؟!
وقد كانت صحافة الأفراد تعتبر المكافآت التي تصرفها للكتاب: مشاركة من الجريدة في فضل صنعه هؤلاء الكتاب.. ويبدو لي أن المصادفات وحدها هي التي كشفت هذا الجانب من التصرفات التي استحدثتها المؤسسات الصحفية.. وقد كنت أرجو أن يتطور النزاع بينهما لكي نكتشف أن اكتساب صفة أجير في الجريدة لها مواصفات محددة.. تنطبق على أشخاص بعينهم... ولا تنطبق على آخرين.. وبخاصة أن الحوار كان بين صديقين حميمين.. ومع ذلك لم يخل من التوابل التي تعتبر من لوازم المعارك الصحفية..
مع احترامي لبعض الأقلام المتميزة.. فإن كثيراً من الكتاب في صحف العالم الثالث يتقاضون مكافآتهم مقابل التوقيع على دفتر الدوام.. وهي هنا ظهور أسمائهم وصورهم الملونة تحت أي افتراض بلاغي.. حتى ولو لم يؤد أي غرض (00) في حين أن الكتابات التي يتم نشرها في الصحف العالمية تعتبر في مثل أهمية المعلقات.. وليس كل شاعر يعتبر من الفحول.. ومن هنا تستمد الصحف العالمية أهميتها على مستوى العالم أجمع.
وقد سبق أن كتبت عدة مقالات ركزت فيها على أهمية الحوافز المالية والأدبية التي يجب أن تصرف للأدباء والمثقفين وأصحاب الرأي من غيرهم.. إذا كنا نرغب في إنجاز نستطيع المفاخرة به.. وأحب أن أضيف هنا (حتى لو لم يوافقني أخي الأستاذ/ علي مدهش): إن الإنتاج الثقافي أو الأدبي ليس مجرد سلعة أو خدمة يمكن تقويمهما بحفنة من الدراهم.. ومن هنا استثنى نظام الخدمة المدنية الإنتاج الفكري للموظف الحكومي من الخضوع لهذا النظام.. ولكنه لم يحدد نظاما معينا لعلاج هذا الموضوع.. وأعتقد أن ذلك لا يمنع من احتراف العمل الأدبي أو الثقافي مادام هو السبيل الوحيد لضمان جودة الإنتاج... دون أن يمس كرامة من يمتهنهما.. وبخاصة أن لدينا شواهد من العصر الذهبي للحضارة الإسلامية..
وقد سبق أن قلت إن الكتابة في الصحف ليست نشاطا صحفياً.. بل نشاط مستقل بذاته.. لا تستغني عنه الصحف.. وفي ظل عدم وجود معايير متفق عليها لتحديد مكافآت الكتاب فقد اضيف هذا العبء على كاهل رؤساء التحرير... وقد يوافق سعادة المدير العام للمؤسسة الصحفية على اجتهادات رئيس التحرير أو لا يوافق.. وهذه قضية أخرى..
وأحب أن أشير هنا إلى أن معظم دول العالم المتقدم لديها صحف محلية... ويقصد بها تلك التي لا يتعدى نطاق توزيعها حدود المدينة أو المحافظة.. وتعتبر متنفسا للمثقفين المحليين.. للتمرس على فنون الكتابة قبل أن يحترفوها في الصحف العالمية.. وتدفع لهم هذه الصحف مقابلا مادياً لقاء كتاباتهم فيها.. تعتبرها المطبوعة الصحفية «حوافز مادية» لتشجيع البراعم على المزيد من الإبداع الذي يصب في النهاية لصالح المجتمع ككل... ولذلك تحظى هذه الصحف بالإقبال عليها من مختلف شرائح المجتمع الذي تصدر فيه.. كما أن هناك سبباً آخر.. هو أن هذه الصحف تتلمس الاحتياجات الفعلية للمجتمع.. وليست تلك التي يفترضها القائمون عليها.. وعلى الله قصد السبيل..
حرر في 20/9/1424هـ
عبدالرحيم بخاري
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|