المتن والهامش مقدمة في صفة الشعر ( 3/6) محمد العُمري
|
إنما السِّيالات اللغويّة تشبه السِّيالات العَصبيَّة..، هذه تسلك في قنوات وتلك في قنوات وبهذا الاعتبار يكون التشابه..، الجهاز العصبي المركزي لا يكون فاعلاً بغير شرط السِّيالة الناقلة..، والجهاز الذهني اللغوي لا يكون فاعلاً بغير شرط السِّيالة اللغويَّة التي تتحول إلى صورة فكريَّة أو جماليَّة مدَونَّة، أو مكتوبة..، وإذن حين تنتفي هذه لاتتحوَّل السِّيالة اللغوية إلى صورة مُدوَّنة فتكون حينئذ منقطعة. أي أننا بهذا الاعتبار لا نبلغ التراكم الذي يجعل «لمفهوم ما»، «بناءً معرفياً».. وبناءً عليه فإن كل مفهوم معرفة بالضرورة..، إننا لم نبلغ الحديث عن طبيعة المفاهيم إلاَّ في مرحلة لاحقة..، المفهوم بتبع ذلك يكون لاحقاً لاسابقاً..، أي أنه يكون لاحقاً لمادته المعرفية وكشرط مثوله، إذْ نَحن حال انتفاء المادة المعرفيَّة أو السِّيالة اللغوية المدوّنة لا نكون بإزاء مفاهيم معرفيَّة، أي أن المعرفةلا تأخذ صفة الحيِّز المفاهيمي بنطاقه وصفته وحدَّه، وأريد أن أذكِّر الآن بأن الانقطاع عن بلوغ المعرفة حيزها المفاهيمي إنما يكون عند انحسار أحد جناحي اللغة «الصّوت والصورة الرَّامزة أو المكتوبة»..، ما الذي نستخلصُهُ إذن؟؟ الذي نستخلصه أن نقول بكون «كل مفهوم حيِّزا معرفيًّا ذا حدٍّ وذا صفة ومن شرطه مثول مادته المعرفيَّة بما هي واقعةٌ معرفية وبما هي سيالة لغويَّة أو إمكان لغوي بجناحيه «الصّوت والحرف المُدوَّن»..، وإذن ينبني على ذلك أن نقول بكون كل مفهوم نظاماً لأنه حَيِّزٌ معرفي لغوي بالضرورة..، لأننا كنا نقول إنَّ من شرط المفهوم أو مثول المفهوم وتحوله إلى معرفة في الذِّهن وفي المثال المعرفي أن نكون بإزاء مادته المعرفيَّة ابتداءً..، فهو إذن حَيِّزٌ معرفي بهذا الاعتبار حيِّز معرفي لغوي على وجه التحديد..، وهو حَيِّزٌ ذهني باعتباره نطاقاً لإدراك المثال أو النموذج المعرفي الذي يحيل إليه..،
الآن.. نحن ليس في وسعنا أن نحيِّد فكرة كون اللغة نظاماً..، هذه بدهية..، اللُّغة مادَّة مفاهيميَّة والمفهوم حَيِّزٌ لغوي..، وما مادَّتُه نظام لابُدَّ أن يكون نظاماً..، ولا تكون اللغة متناً معرفيًّا إلا بتحولها إلى حَيِّز كثيف من المفاهيم..، ثم بهذا التوالي يكون سائغاً الآن أن نحيّد الفكرة التي تقول: «إنَّه يمكن أن يكون مفهوم ما إطلاقاً معرفيّاً أو لغويّاً غير ذي حدٍّ وغير ذي صفة».. إنه لا يكون حينذاك معرفيّاً ولا لغويّاً..، هذا يعني أنه لا يكون المفهوم إلاَّ حَيِّزاً مقيّداً باعتبار مادَّته المعرفيَّة «الفكر والوعاء»..، أي أنَّ هذه حالة مفردة أو حالة شرط وجود لوجود..، ومن هذه الحيثية فإن الشِّعر الذي لا ينفك عن كونه مادَّةً معرفيَّة ولا ينفك عن كونه استتباعاً لشرط اللغة في نظامها لا يمكن أن يكون هامشاً مفاهيميًّا مُحيَّداً عن الشرط والصِّفة، غير أنه قد يكون من المُلِحِّ الآن أن ننظر في طبيعة المادَّة المعرفيَّة حين تكون شِعْراً.. ورُبمَّا كان هنا صلة بين هذا المتن المعرفي العالي الذي نُسَميِّه شِعْراً وبين ما أُسَمِّيه «السَّند الجمالي».، وإذن فإن حديثي عن طبيعة السَّندَ الجمالي رُبَّما كان في منزلة الضرورة والكفاية.، لكني سأجعل هذه المسألة في الأجزاء التي تتبع..، الآن نحن نقول:«لايمكن أن يكون الشعر إطلاقاً لغويًّا ولا هامشًا بغير حدٍّ ولا صفة»..، وبهذا الاعتبار فإنَّ كل نموذج شعري يتنزَّلُ في حَيِّزه المفاهيمي الجزئي الذي يكون نسيج وحده..، ودعوني أُلِحُّ على فكرة كون النموذَج شعريًا..، أقول:كل نموذج شعري..، هذا بطبيعة الحال يؤول بالحديث إلى فكرة التعدُّد أو فكرة الإطلاق فيما يتصل «بفكرة طيف الحيِّز المفاهيمي للنموذج الجمالي»..، أي أنَّ في وسعنا أن نقول «إن الشِّعْرَ حَيِّزٌ مفاهيمي مطلق لا ينفك عن سنده الجمالي باعتبار اللغة وباعتبار ما أسمِّيه ظرفاً عقليَّا فَرْداً هو ظرف تواشج الإمكان الذهني الجمالي والإمكان الذهني اللغوي.، بصمة عقل جمالية وصفة لغة.. لاحظوا هذه المسألة..».
وبناءً عليه فإن المقدِّمة المعرفيَّة التي ألمحنا إليها في ابتداء هذه الكتابة تقع في منزلة الضرورة العقليَّة التي لا تُعلل..،
«هذا يعني أن الشعر مفهوم بالضرورة وأنه ذو صفة وذو حدّ».. لكنَّ المسألة الآن أن ننظر في مدى التلازم بين حدِّ الشعر وصفته وبين هيكله أوصورته المُدوَّنة أو مانسميّه الشكل..، أي أنه هل الشعر بشكل؟؟ هل هو هيكل لغوي وحسب؟؟ ثم كيف نَعي تَنزَّل الصِّفة في المثال؟؟ إذا نحن وَعَيْنا ذلك.، قعَّدْنا لحدِّ المفهوم فَنفَينْا زبالات الكلام بعد ذلك إلى مَحارِقَ تليقُ بها..، وللحديث صلة إنْ شاء الله.،
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|