أثر خفيف جذور العنف وتجلياته(1) علي العمري
|
تتأمل الكاتبة الألمانية حنة أرندت مسألة العنف في كتابها «في العنف» كما تقول على ضوء ما مرّ به القرن العشرون من أحداث جسيمة جعلته بالفعل وبحسب لينين قرن الحروب والثورات، إضافة إلى أن التكنولوجيا قد ساعدت على تطوير أدوات العنف بشكل لم يسبق له نظير وإلى الحد الذي تتفوق فيه الوسيلة التدميرية على كل غاية.
وأرندت المهتمة ليس فقط بمسألة العنف وإنما بأنظمة الحكم التوتاليتارية وآليات القمع والاستبداد السياسية لايبدو أنها تنظر إلى العنف في جوهره إلا كوسيلة لتحقيق غايات سياسية بمعنى أنها لا تذهب بعيداً في جوهر العنف إلى الطبيعة وقوانينها لئن كانت الحرب ماثلة على الدوام في دواخلنا فإن مثولها ليس ناتجاً لا عن رغبة قتل دفينة موجودة لدى النوع البشري، ولا عن غريزة عدوانية لا يمكن قمعها، ولا حتى عن مخاطر اقتصادية واجتماعية جدية يسفر عنها نزع السلاح إن أرندت تخطئ حين ترى العنف وسيلة سياسية تستخدمها الدول المتخلفة لحل نزاعاتها الخارجية ذلك ان ما يحدث هو ان العنف يتجلى أشد بطشاً وأكثر وحشية بيد القوي الأكثر تقدماً كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، فإذا كان كلام الجنرال أندريه يوفر إن الحرب لم تعد ممكنة إلا في تلك الأجزاء من العالم التي لا يلعب فيها الردع النووي أي دور صحيحاً فإن ما يحدث هو أن الدول العظمى ذات الردع النووي ظلت تنقل ساحة الصراع إلى البلدان المتخلفة التي لا تمتلك السلاح النووي وبالتالي لا تمتلك استقلالها الذاتي، بمعنى ان جوهر العلاقات الدولية قائم على العنف وليس السماح بامتلاك السلاح النووي لعدد محدود من الدول ثم استخدامه كوسيلة قوة وضغط وتوازن ظالم في العلاقات الخارجية إلا شكلاً من أشكال العنف.
هذا على أن حنة أرندت تعي الدور المهم الذي لعبه العنف في التاريخ البشري الذي وبحسب هرتزن ينطوي على ظلم كامن في عملية التقدم البشري حين يكون على الأجيال التالية الاستفادة من منجز الأجيال السابقة دون ان تدفع الضريبة نفسها التي دفعتها تلك الأجيال، وتدرك ان مسألة العنف لم تحظ بالبحث الكافي، لكنها لا تقبل ولا تستطيع ان تجذر العنف في التاريخي والاقتصادي فكلام إنجلز عن دور العنف في عملية التنمية الاقتصادية باعتباره مسرعا لها أو تصوره للتناقض بين السلطة السياسية وعملية النمو الاقتصادي التي لابد ان تؤدي إلى هزيمة السياسي تظل مجرد صيغ أقل مصداقية ذلك أن كل حرب لا تنتج السلم بل الحرب كما هو الحال بالنسبة للحرب العالمية الثانية التي أنتجت الحرب الباردة، فالعنف ليس العالم الحاسم في انهيار أي مجتمع بحسب ماركس بل التناقضات داخل ذلك المجتمع.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|