جريدي المنصوري ل«الجزيرة» الثقافية:
كتاب الرواية لدينا شعراء شعبيون وجنود متقاعدون وطلاب مدارس ليلية!
القصيدة العمودية للمنابر وصوت للمناسبات..
النقد شُغِلَ بالتنظير والنقاد يناقشون بعضهم بعضاً..!
|
*الثقافية محمد الدبيسي:
في كتابة الجديد «النار في الشعر وطقوس الثقافة» الذي حقق قبولاً كبيراً لدى القارئ العربي.. بحسب مؤشرات مبيعاته في معارض الكتب العربية والدار الناشرة.. يطرح الدكتور جريد المنصوري رؤيته النقدية.. مضيئاً.. جانباً مهماً في ثقافتنا وخطابنا المعرفي.. ذلك الجانب.. الذي يكاد يكون في إطار المهمل وهامش الاهتمام.. في القراءات النقدية لأنساق الثقافة.. ومظاهرها..!
ومن هنا تكمن أهمية الكتاب.. وأهمية رؤية الناقد الدكتور جريدي المنصوري والتي حاولنا في هذا الحوار.. مناقشته في بعض اشارات هذا الكتاب.. وقضايا أخرى..
* لنبدأ من اصدارك الأخير «النار في الشعر وطقوس الثقافة» الذي تناول فيه هذه «الموضوعة» من كون النار فاعلية في النسق الثقافي، هل ثمة فصل في نظرك.. بين كونها كذلك.. وكونها فاعلية اجتماعية حياتية..؟
الأمر ليس الى تلك الدرجة من القطيعة، ثمة مستويات من خلالها يمكن النظر إلى الحضور والغياب والفصل والاتصال، لكن المؤكد ان النار لو لم تكن ذات فاعلية اجتماعية حياتية.. لما كان لها فاعلية على المستوى الثقافي.
وأعتقد ان هناك اشارات مفيدة حول النار.. عند الفرس والهنود والصين واليابانيين وفي استراليا وروسيا.. ودول افريقية كثيرة وكذا في امريكا ولدى عدد من الأوروبيين..
ومن كان ذلك كله في الحدود التي لا تخرج بالكتاب عن كونه يتجه بالدرجة الأولى الى الثقافة العربية.
* عوَّلت في بحثك المقدم لملتقى «قراءة النص» وهذا الكتاب على مسألة الرمزية.. وتحليات ممارستها في الإبداع والخطاب الثقافي، فما أهمية هذا الملمح في نظرك؟
الرمز روح النص، وهذه الأهمية تجعل البحث عنه في الأدب والفنون.. ليس بحثاً عن مشروعيتها الفنية..؟ بل عن مدى وفائها بالقيم الجوهرية للنص. ومن ثم تحديد موقعها بين مجموعات النوع الواحد الذي يحتضن درجات مختلفة من الرمز..
والحقيقة الفنية.. إنما ترتفع على الحقيقة الواقعية.. وتمنح اللذة والإحساس بالجمال والمتعة.. من خلال ما تحمله من جرعة رمزية.. نجتهد في اكتشافها ونشعر حين نكتشفها ونتأملها.. بارتفاع عقولنا عن سطح الواقع.. الذي يتساوى عنده الجميع..
مثلما يشف المرء وجدانيا وهو يعيش لذة اكتشاف عالم الرمز ويسبح بين عناصره ويعيد بناءه فيما يتعاطاه من معارفه العليا.
* عوداً على سياق هذا السؤال.. وملتقيات قراءة النص، كيف تقرأ هذه الفعالية في تنشيط المشهد الثقافي؟
ملتقى قراءة النص.. الذي يقام في نادي جدة الأدبي..
من وجهة نظري يعد مؤتمراً منجزاً لا أجد في الساحة المحلية ما يمكن مقارنته به.
* هل لنا أن نزعم بأن مؤشر إصدار الرواية في بلادنا.. قد بدأ ينمو منحاً تراكمياً.. تفيد منه التجربة السردية.. ما رأيك في المستوى الفني فيما قرأته من أعمال؟
على مستوى الكمي هناك تراكم ملحوظ في الأعمال الروائية..
فلم يعد هناك وقت بين صدور رواية وصدور أخرى..
إن تجربة النار في حياة الإنسان من شأنها ان تشرب الى الاعماق.. حيث بدأ وجردها بتشكل في مكونات الفعل الثقافي، فالمجتمع حين يستهلكها من جهة فإنه من الجهة الأخرى يعيد انتاجها معرفياً..
* ومن هنا.. هل لنا ان نجعل النسق المجتمعي مؤطراً في سياق ثقافي؟
بالتأكيد.. فالنسق ليس خارج الثقافة ابداً، قد يكون النسق مضمراً ولكنه نتاج لممارسة اجتماعية ويتحول الى حالة معلنة في الخطابات..
ويبقى مع ذلك مؤطراً وكما ذكرتم في سياق ثقافي يحمله ويدل عليه ويعرفه.
* اختيارك الدقيق الموضوعة «النار» وتجلياتها في الثقافة.. هل يدخل في إطار استبانات المساءلات من المهمل والمسكوت عنه في ثقافتنا؟
المسكوت عنه من الموضوعات المغرية بالبحث.. وهي ذات جاذبية خاصة وتحتاج الى تيقن ومحاورة.. وفق اعتبارات كثيرة والغريب والعجيب ان موضوع النار ينجذب الى كثير من هذا النوع من المعرفة لترابطها معاً..
ولعلك تدرك أي قدر من الصعوبة يجده الباحث.. وهو يناقش موضوع النار ويجده ينازعه الصفات.. ويتفلت منه باتجاه بالمرأة والجن والأساطير.. ويضيء الغرف المعتمة فيكشف التاريخ السوي للأقوام.. علاقاتهم التي سرقتها الاخبار والاشعار وهكذا فإن النار اذ تضيء فإنها تكوي..!
* ألفيتك قد أهملت جانب الموازنة.. والمقارنة لموضوع «النار» عند أهم وشعوب شتى.. فهل اضطلعت الدراسة في نظرك بذلك؟
هذه الدراسة لا تقع ضمن دوائر الأدب المقارن وليس من شأنها ان تعقد موازنات بين آداب الأمم الأخرى.. في لغاتها المختلفة.. مما لا يقوم به فرد واحد.
لكنها لم تغفل عن استحضار ما تراه جوهرياً.. وفق متطلبات المنهج العلمي..!
ولهذا جاء الحديث عن أصل النار عند الأمم وتاريخ جهنم في ثقافات الشعوب...
الكثيرون يكتبون يسوقون الأحداث والأخبار.. ويتحدثون عن تجارب خاصة وعامة..
انهم يصوغون التاريخ والتغير الحضاري وتقاطع من السير والرحلات، صحفيون وشعراء وشعبيون وأدباء وطلاب في المدارس وجنود متقاعدون..!
كلهم يكتبون روايات، ولست أدري كيف يجد الروائيون الحقيقيون أنفسهم..؟
وكيف يصل القارئ الى الابداع الروائي الجيد..! وهو يضيع في أدراج المكتبات.. وأجنحة المعارض.. بين ركام من اللغط والتهويجات والثرثرة؟!
* منذ الثمانينات الى الآن.. هل ترى تناسباً في مستوى الخطاب البداعي الشعري؟
من الواضع ان المساحة التي احتلتها القصيدة الجديدة.. وتطويرها الملحوظ.. يعطي مؤشراً على تنامي الإبداع الشعري من هذه الجهة..
وان كان هناك تراجع للقصيدة العمودية.. التي بقيت قريبة من المنابر الخطابية وصوتاً للمناسبات المختلفة.. وهكذا أصبحت الساحة الشعرية.. ممهدة الطريق أمام التجارب الشعرية الحديثة.. التي افتتحت لدى عدد من غير قليل من شعرائنا..
وفي ظني ان الشعر في المرحلة الراهنة يمر بفترة هدوء..
ليس فقط بسبب مزاحمة الرواية لهم وإنما لتحولات جوهرية في طبيعة المجتمع من جهة استهلاكه للشعر.
* الخطاب النقدي.. كيف ترى تزامن مستواه كسياق مؤثر مقارنة مع ما ينجز من أعمال إبداعية؟
يبدو ان النقد شغل بالتنظير.. والنقاد يناقشون بعضهم ويتحاورون لفترات طويلة حول موضوع او أعمال محددة.
ومتابعة الإبداع الجديد لا تتجاوز الكتابات الصحفية إلا في النادر.
وهي متابعات عجلى وليست وفية لشروط المناهج النقدية..
كما أنها في بعض الأحيان لا تخلو من المجاملة..؟
والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في أغلب مدن المملكة.. لا تعطي اهتماماً للجلسات النقدية وورش العمل التي تخصص للأعمال الإبداعية الحديثة وتسلط الضوء عليها.
* هل واكبت الملاحق الثقافية والدوريات الأدبية حركة خطابنا الثقافي؟
لا نستطيع أن نتجاهل دور ملحق الرياض الثقافي وملحق الجزيرة الثقافي، وملحق الاربعاء.. غير ان السمة العامة للتعامل مع الإبداع والمؤلفات الأدبية النقدية.. ايضاً هي الاهتمام بنشر الخبر.. ثم عرض المؤلف.. سواء ديوان شعر او مجموعة قصصية أو رواية.. او عمل نقدي..
حيث يتم استعراض العناوين.. مع مقتطفات من هنا وهناك..
وهي عملية تعريفية وليست نقدية..؟
أما الكتابات الأخرى.. فإنها من النقد الصحفي الذي يمتاز بالعمر القصير.. ولذا فإن تلك المقاربات.. لا تغوص عميقاً حين تتعاطى الإبداع.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
