عندما يرعى الخيال في همس الطبيعة ويصطاد شواردها
|
لاتبوح الطبيعة بأسرارها إلا لصاحب ثقافة فطرية وحس مرهف يتمكن من التقاط همس جمالها وتجليات بوحها.. لتنعكس جُملا مفيدة على مخزون الحافظة الذهنية، بما يولد حالة من الثراء الوجداني وسمو الذوق التعبيري، فتسمن بذلك مسرات الذات، وتتكون لديه قدرات أفضل تمكنه من اكتشاف المزيد من الحالات التعبيرية الراقية.
ولا دخل للأمية الأبجدية في لغة الحوار التي أقامها الإنسان مع بيئته منذ القدم، حيث إن اللغة هنا تهامسية قوامها الأحاسيس وأدواتها تباين المشهد.. وبعيداً عما أفرزته الثقافة الأكاديمية ومدارس الفنون، من منتج فني، جاء على أساس البحث والتطوير، فإن منتج الثقافة الفطرية بقي ولا يزال عنصر تشويق غنياً بمفردات الوجود وتلقائية التناول.
ومن غير الممكن وصف الإملاءات البيئية على سجايا المنتج الفني التعبيري، مثل التصوير والرقص وما شاكلها، بأنها فنون شعبية بحسب المفهوم الآني لهذا المصطلح، حيث بات الأخير يرمز في المنظور «النخبوي» إلى دونية المستوى ..! بعد أن جرد من مفهومه الواسع، فهذا المنتج الثقافي الحر هو واحد من طبقات التراكم المعرفي الذي تشكل به وجدان الإنسان وعبّر به عن انفعالاته وطموحاته ومحاكاته لواقعه المعاش..
ولو كان القصد من وراء تسمية «شعبي» هنا كناية عن قوة وسعة الانتشار لقبلنا بها، إلا أن الظاهر من الممارسة الفعلية لهذه التسمية، هو تصنيف دوني للتدليل على ما هو أرقى منه، مع أن الفن المنتج في أية بيئة وتحت أية ظروف معيشية يظل نتاجاً فكرياً إنسانياً لقنت به الروح دروس الجمال الأولى، ولا فرق بين منشئها ومبدعها سواء أكان مصدره البادية أو الريف أو المدن، فهو عطاء بشري تعبيري، أفرز تنوع أشكاله وأنماطه: طقوسٌ ومناخاتٌ نفسية ومعيشية وبيئية..
إذا فالتعابير الفنية التي يمكننا قراءتها داخل الأعمال البدوية والقروية لدى سائر المجتمعات البشرية، تنم في مجملها عن مقدرة فائقة على توظيف المعطيات المحيطة بها، للتدليل على معاناة وانفعالات داخلية، وظفت مقاماتها «بالمتيسر» من أدوات لونية وزخرفية أو حركات تعبيرية راقصة، في محاولة لإضفاء لذة بصرية أو متعة فكرية تتكشف بها أمام المتلقي مباهج أجمل للحياة.
فهل نستعيد فطرتنا ونتفكر من جديد في ملكوت الله.
أنور بن محمد آل خليل
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|