تكوين
فؤاد مغربل..!
محمد الدبيسي
|
في حارة (العنبرية) بالمدينة المنورة
أسست السيدة (زينب بنت حسن بن
عبدالله مغربل) كتباً.. عام 1362هـ
لتعليم البنات.. بقرار اختياري وبتمويل ذاتي..!
في ذلك التاريخ المبكر.. كان وعي هذه
المرأة العظيمة.. يؤكد ريادتها النهضوية وحسها التنويري
بفعل يتجاوز الأماني والظروف.. إلى التحقق والوجود..
تجشمت (زينب مغربل).. عناء الإمكانات والبدايات و(الأفكار).. والمعوقات.. لتترجم وعيها الريادي
.. الذي رأت في (التعليم)
منفذاً باتجاه تكريسه.. موقفاً ومسؤولية..!
كتاب (الفوز والنجاح).. أو كتاب (زينب مغربلية)..
وفي كلا الاسمين دلالة على
استحقاق مدلول للفضيلة في مقصدها الراقي.. وإيراقها الندي..
** (زينب مغربل) إحدى رائدات (التعليم) بالمدينة..
في صفحة طويت تاريخ شاهق.. وسيرة فارهة..
في فضاء المكان.. وذاكرة الإنسان..!
أفضت إلى ربها.. واستدام بقاؤها في غير مثال..
وفي غير حرف وكتاب..؟
** فكان أن تركت خلفها من سير الضياء.. ابنها (فؤاد طه مغربل).
.. توأم (الفوز والنجاح) كتابها العتيق
وعلى مقربة من تأسيس الكتاب.. ولد (فؤاد)
الذي ما إن بلغ (العشرين).. حتى استوى حبه للريشة.. علامة على ولادة فنان.. في (بيت).. تتناهى في زاوياه معالم
لرؤى المعرفة.. ودلالات العلم.. ومعاني الإبداع..!
تكون وعي (فؤاد مغربل) في حارات
وأزقة وأحواش (المدينة).. عناصر
تصوغ الفن.. ويفوح من طينها إيقاع
التشكيل.. وتراتيل شخوصه..
ظلاله وأجزاؤه.. المنحوته بمهارة فنية خلاقة..
والمتجلية من ذائقة فاتنة..!
** (نصوص المكان) كما تراءت للفتى
الفنان.. عراقة رؤى.. وتراكم تجربة..
ومحصلات جمال..!
من هكذا (أجواء).. تنامت ذائقة
الفنان ومكونات موهبته.. بنبض
المكان.. وبنية الجمالية.. وإرثه الحضاري العظيم..
فكانت المدونة الأولى لفؤاد مغربل
كتاب (طيبة في عيون فنان تشكيلي)
يرسم بريشته.. أجواء المدينة القديمة..
ويستوحي مناخاتها الضاجة بالألفة
والحنين.. من (باب السلام إلى شارع
العينية).. ومن (زقاق الزرندي)
إلى منازل (السيح)..
** ومن (رواشين) البيوت المدينية.. المتدلية من أسوارها البيضاء..
إلى خطوات الإنسان بين باحاتها..!
ومن خصاص المشربيات، التقط فتنة الحدقات المطلة على الشوارع والأحواش.. حيث كانت (الحياة)..؟!
أضاءت بصيرة الفنان.. عمق الألوان والأشكال..
في مزاوجة بين التنغيم اللوني.. والجزئيات المكانية وأبعادها..
ليحيل تشكيلاتها.. إلى لوحات
تتدفق حيويتها ورقة خطوطها.. ولطف
أقواسها ومنحنياتها وحبكة تصاميمها..!
** أعمال (فؤاد مغربل).. التي زينت صالة
(إبداع) المسرح التشكيلي الدائم لفناني
المدينة في شارع (قباء).. تنم عن
رؤية تنحاز لوعيها الجمالي.. وترسم
مشاعره.. وتجسد تأثراته..
تشكل فضاءه الشعوري باستخدام
متوازن للون وقيمته.. وترابط
بين خطوطه ومساحاته المتمازجة
والمتقاطعة.. وفراغاته الداخلية..
وظلاله الضوئية.. بشعرية يحتل
مهجة الذائقة.. وترفها الأثير..؟
** (فؤاد طه مغربل) كما يصفه
د. مصطفى الفقي: (أحس بجمال
طبيعة المكان، فجعل من إحساسه به
أساساً لبناء لوحاته، ساعياً بجهده
للتعبير عنه بعمق، حتى تتمد قواماً
ونسقاً وإيقاعا.. ومترجماً إياها بطريقة
أكثر حداثة، وذلك من خلال الشكل
واللون.. وأن يعبر عن عالمه الداخلي
من خلال موضوعاته الاجتماعية)..
** وبهذه المادة الحية النابضة بنى لوحاته خطوة خطوة برؤية تشكيلية تعتمد أساساً على تنسيق الخطوط.. وكأن هذه النبضات اللونية أداة للتجسم والبناء المعماري لأشكاله الفنية وذلك في تنظيم لوني يحتل عنده مكانة كبيرة.. وفقا لما يقوله (بول سيزان):
(عندما يبلغ اللون حد
الامتلاء.. يبلغ الشكل حد الكمال)
** أربعون مدينة.. وعاصمة حول العالم..
طوف بها (فؤاد مغربل) وعرض أعماله..!
(فؤاد مغربل) المغموس بنور
المكان ووجوده الزاخر.. والمصفى
بفتنة الألوان.. ومساحاتها المعبرة.. وعضو الاتحاد الدولي
للفنون التشكيلية..
ظلت (المدينة).. في روحه.. فورة الدهشة وجاذبية المعنى..
.. رسم جدارية في أحد شوارعها..
بعرض مائة متر.. وارتفاع
أربعة أمتار.. جدارية تشكيلية.. حاول
فيها استيعاب حركية المكان.. ورموزه وموروثه وشخصياته الحية.. عوالمه النابضة.. ومناخاته الاجتماعية..
** جدراية (فؤاد مغربل).. في شارع المطار..
وعلى مقربة من حي (العنابية) القديم..
تجسد غنى الرؤية.. وزخمها الإبداعي المتوهج..
والفكر الفني.. الذي يقتنص
روح المادة.. وأفقها العميق..
ليعيد تشكيلها بأداة الموهبة.. ومرجعية
النظرية.. واستيعاب القيم الجمالية..
والثقافية للمكان! في لوحات (فؤاد مغربل)..
يمتد الزمان إلى عمقه ويتشكل من موروثه ومقوماته..
وهنا تكمن عبقرية المكان..!
** (فؤاد).. يكتب ذلك النص الإبداعي
والجمالي العظيم.. على مرأى العابرين..
في شارع المطار.. كأنه يستقبل القادمين
إلى المدينة.. ويودع المغادرين منها..!
بهذه المساحة من (معنى) إنسانية
(المكان).. روحه الدفاقة.. ورؤاه المنتصبة في فضاءات الروح وآفاق التأمل..!
(فؤاد بن طه مغربل).. وابن (زينب حسن مغربل)..! الفصل الأول.. من سيرة
السيدة العظيمة..!
والريشة الأولى للمدينة العظيمة.. ينسج من حرير سيرتها.. لوناً
ينبض بالضوء.. ويزدهي بالقيمة..!
md1413@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
