سلطة الهاجس.. بين اشتعال الذات وتضاريس الرخام قراءة في مجموعة (تضاريس الرخام) للقاص.. علي زعلة
|
(اشتعال) هي القصة الأقوى، والأكثر احتفاءً بأكثر من تقنية للقص من بين قصص المجموعة، التي اختار لها علي زعلة (تضاريس الرخام) عنواناً، وهي أيضاً إحدى قصص المجموعة المتميزة، وربما كان سر تميزها أنها تسترسل في سردها دون قطع بشروح أو توضيحات أو تعقيبات، كتلك التي تنتشر في ثنايا بعض قصص المجموعة.
ورغم تميز (تضاريس الرخام)، وجوِّها القصصي الذي توفرت له بقوة قِيمة التكثيف، إلا أن (اشتعال) تتفوق عليها، بتجسيدها للحظة إنسانية خاصة في أداء علي زعلة المتميز لها، عامة في كونها لصيقة بمنطقة أثيرة لدى الذات الإنسانية/ الذاكرة.
إن نجاح علي زعلة في أداء هذه القصة، كانت له مقوماته التي يأتي في مقدمتها، ذكاؤه في انتقائه للمشاهد التي قرر استدعاءها من الطفولة (الفلاش باك)، أكثر من مرة، مزاوجاً بين مشهد راهن ومشهد قديم، يتناوبان الحضور في ذهن المتلقي ومخيلته، حتى يتداخلا تماماً في إيحاء قوي بأنهما أصبحا لحظة واحدة، وأن حاجز الزمن بينهما قد تلاشى.
إن استخدام الفلاش باك ليس جديداً، ولكن حسن إدارته هو ما يميز هذه القصة، فضلاً عن لغتها البسيطة، التي لم يبخل عليها القاص بمسحة من الشعرية تناسب اللحظة القصصية التي قبض عليها باقتدار طوال العمل، على نحو لم يتوفر لبعض قصص المجموعة، التي كان ولع القاص بالشروح والتعليقات والإيضاحات، يقطع عليها تدفق السرد، فضلاً عن الأضرار التي ألحقها ببعضها هذا القطع. وشخوص علي زعلة فرائس لهواجسها، العزلة (وحشة)، أو الفصام (وجوه)، أو الفوبيا (المقصلة)، أو العدوى (أقسى من الجرح)، أو العجز (الجدب)، أو القهر (دم فارع)، أو العدمية (تضاريس الرخام)، أو الارتداد الطفولي (اشتعال)، أو سحق الذات (طاقة). وعلى حين تشتعل بعض قصص المجموعة حكياً وسرداً، يأتي النزر اليسير منها أقرب إلى الخاطرة منه إلى القصة القصيرة (البارحة)، و(حالة خوف عام).
في شطر من قصص مجموعة علي زعلة، يعتمد الطريقة الكلاسيكية التي يحضّر فيها لمفاجأة يختتم بها الحدث (الفعل) الذي يحتفي به، ويصعده على مدار القصة (الجدب، أقسى من الجرح، المقصلة، وحشة)، وربما كان هذا نصيب القصص الأقدم عمراً إن صدق حدسي من قصص المجموعة، إذ تبدو ملتزمة بكلاسيكيتها، بينما تأتي قصص أظنها تأخرت عنها كتابة، تتحسس خطاها إلى سبيل السرد، الذي لا يعول على الفعل (الحدث) الحكاية، بقدر ما يجيد إدارة الموقف القصصي، ودون أدنى نية في مفاجأة المتلقي أو مكافأته بالنهاية التي يرجوها.
لا يفوتني أن أسجل إعجابي بتلك المجموعة التي يشم قارؤها بين أسطرها رائحة لكتابة بِكر، تتطلع إلى تجاوز نفسها، وأتصور أن هذا ما سيتحقق لعلي زعلة، القاص الواعد.
أسامة الزيني
talaaat@yahoo.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|