علم من أعلامنا الثقافية عمر طاهر أحمد زيلع
|
علاقتي بالصديق علي العمير أكثر وأسبق زمناً من علاقة قارئ بكاتب، فهي علاقة صداقة قبل أن تكون علاقة ثقافة.
تعود تلك العلاقة الى مرحلة مبكرة من العمر، حيث بدأ التعارف بينه وبين والدي رحمه الله وكان العمير آنذاك في مقتبل الشباب والحماس والتطلعات.. في مركز (الموسم) في أقصى حدود المملكة مع اليمن حيث كان هو كاتباً في محكمة هذا المركز.. وكنت أنا أذهب الى المحكمة أحياناً مع والدي في أمور تتعلق بأملاكنا الزراعية والسكنية في تلك الجهة، ومن خلال لقاءات العمير ووالدي في المحكمة نشأت بينهما ألفة ما لبثت أن تحولت الى صداقة وتناسب ثقافي إذا صح هذا التعبير، كان كل منهما محباً للقراءة حريصاً على قراءة القديم والجديد من الكتب، فقد كان لكل واحد منهما من الكتب ما لا يوجد لدى الآخر يستعيره او يستهديه. كان الأستاذ علي العمير في تلك المرحلة يقرأ بنهم والقراءة الجادة المتنوعة لديه أشبه ما تكون بالمغامرة واختراق حاجز القراءة التقليدية السائدة في محيطه آنذاك، وقد لاحظت وكنت في بداية التعاطي مع القراءة، ان بعض الكتب التي يستعيرها من والدي ثم يعيدها حافلة بالتعليقات والاستدراكات، وبتصويب بعض الأخطاء الطباعية أو التركيبية في الجمل بخط جميل ومتناسق، وكنت أود أن أذكر بعض تلك الكتب لولا أن كتبنا القديمة قد فقدت وذهبت الى حيث لا أعلم. ذلك مبعث حسرة كلما تذكرت فقدانها، بل ان العلاقة تمتد الى أبعد من تلك العلاقة الثقافية بينهما، فعائلتا العمير وطاهر زيلع تتعارفان وتتواصلان منذ زمن الأسلاف، وظروف الأسرتين وأوضاعهما الاجتماعية متشابهة لا بسبب الإطار المكاني، والاعتبارات التاريخية وحسب، ولكن لأكثر من سبب.
والحق ان الأستاذ العمير قد أشار في أكثر من حديث له في كتاباته الى تلك العلاقة الحميمة بينه وبين والدي الذي مارس الكتابة أيضاً في الصحف بأسلوب منفرد، وكان توهجه الأدبي قد أخفتته عوامل وعوامل فتوقف عن الكتابة ورأى في العمير، او لعله رأي فيه وفي أمثاله من الشباب المثقف المتوثب صورة شبابه التي جعدتها الأيام، فأحبه وامتدت بينهما الصداقة والمهارة وتبادل الزيارات.
والجدير بالذكر اننا لازلنا نحتفظ بنماذج من أوراق محررة بخط الأستاذ علي العمير الجميل.
أما العلاقة الثقافية بعد تلك المرحلة فقد كانت امتداداً موصولاً بها، إذ غادر الأستاذ العمير المنطقة الى الرياض التي اتسعت لموهبته الأدبية ونزعته النقدية القوية التي ربما ضاقت به المساحة الصغيرة التي ترعرع بها وكانت لا تزال تتدثر بظروفها القبلية والتأريخية رغم بروز عدد من الرجال الذين افادوا من مشروع الشيخ القرعاوي رحمه الله، ومنهم الأستاذ علي العمير نفسه في علمي. كنت أتابع سطوعه الأدبي، فأقرأ لكتاباته ومناظراته النقدية وكنت لا أزال في المحيط الذي غادره هو الى عاصمة المملكة الكبيرة، ثم الى جدة حيث لا يزال حتى الآن.
اتسمت كتابات الأستاذ علي العمير الثقافية في الأدب والاجتماع بالسخرية اللاذعة وتبلغ أحياناً حد القسوة، وذلك يعود لطبيعة موهبته الكامنة في تركيبته الفطرية التي أفادت أيضاً من تأثره الواضح الذي يؤكده هو نفسه بأقطاب النقد الساخر من القدماء والمعاصرين، مثل الجاحظ، وشعراء الهجاء وبعض كتاب دواوين الخلفاء والملوك. إلى جانب تأثره بطه حسين والرافعي، وزكي مبارك والشيخ البشري، والمازني، ومارون عبود، وغيرهم وغيرهم.
فالعمير قارئ من الدرجة الأولى، قارئ للتراث وللأدب المعاصر، لكن ظروفه الصحية التي اثرت من دون شك على نزوعه الدائم نحو الجديد فقد كنت منذ سنوات وهو في عنفوان عطائه استنتج بأنه مهيَّأ بطبعه في ضوء تطور رؤيته لان يصبح احد مفكرينا البارزين الذين ساعدتهم مواهبهم ومكتسباتهم الثقافية، واستيعابهم الماضي والحاضر على الخروج من أفق الرؤية الأدبية الى فضاءات الفكر ذي الرؤية الشمولية لهموم الأمة، ففي كتابات الأستاذ العمير امكانات الانطلاق الى تلك الفضاءات الواسعة التي يعد الأدب أحد مكوناتها. فشكر الله سعي القائمين بالشأن الثقافي في (الجزيرة) الى تكريم علم من أعلام مراحلنا الثقافية؛ فالرجل جدير بأن يكرم على كل المستويات، وان يفرغ للعمل الفكري ويدعم.. متَّعه الله بصحته.. والله المستعان.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|