عُذْرَاً، فَمَا لِي بِهَذا السُّوقِ مِنْ حَاجَهْ |
حَتَّى أُزاحِمَ في الحَاجاتِ أفْوَاجَهْ |
هذا يَبيعُ وَذَا يَشْرِي وذاكَ بِلا |
شيءٍ سِوى مُكْثرٍ للنِّاسِ إزْعَاجَهْ |
وَذَا يَلجُّ بتَحْريجٍ لسِلْعَتِهِ |
مُسْتَنْفِراً نافِخاً للنَّاسِ أوْدَاجَهْ |
صُخْبٌ يُصَدِّعُ رَأْسِي في مَعَاولِه |
لوْ كُنْتُ أوْدَعْتُ أعْصَابِي بثَلاَّجَهْ |
ما أكْرَهَ السُّوقَ فِي عَيْنِي وفي أُذُنِي |
إنْ لَمْ يَكُنْ لي بِه ما يُبْلِغُ الحَاجَهْ |
دخَلْتُهُ وبودِّي لَوْ أُغَادِرُهُ |
لِمَنْزِلي كَغَرِيبٍ عَادَ أدْرَاجَهْ |
للهِ ما فَعَلَتْ فِيْنَا العَقَاراتُ |
وما ابْتَلَتْنَا بِبَلْواه التَِّجاراتُ |
حَتَّى شُغِلْنَا وأَلْهَتْنَا مَطَامِعُنَا |
بِما اقْتَضَى الرِّبْحُ مِنَّا والخَساراتُ |
وَقَلَّ بَيْنَ ذَوِي القُرْبَى تَواصُلُهُمْ |
ما عَادَ يَدْرُونَ: ما تَعْنى الزِّياراتُ؟ |
كأنَّنَا غُربَاءٌ لَيْسَ فيهِ لَنا |
جِيْرَانُ جَنْبٍ وَلا أهْلٌ وجاراتُ |
صِرْنا جُيُوباً تَمَادى نَهْمُهَا وَنَمَتْ |
بُطونُنَا مِثْلَمَا تَنْمُو (العِماراتُ) |
كُلٌ عَنِ البَعْضِ فِي لَهْوٍ وَفِي شُغُلٍ |
مَا أمْكَنَتْنا الليَالِي والنَّهاراتُ |
سَلامُنا صَارَ في هَزِّ الرُّؤوسِ وَمَا |
كَلامُنا بَيْنَنا إلا إشَاراتُ |
عَصْرٌ تُعَلِّمُنا أمْثَالُهُ جَشَعاً |
أنَّ التَِّجاراتِ فِي الدُّنْيا شَطَاراتُ |
(مُحَمَّدُ) لا عَدمْتُكَ يا ابْنَ عَمِّي |
وَيا مَنْ أَنْتَ لِي أَوْفَى صَديقِ |
تَقولُ: بأنَّ رَأْسي فيهِ شَيْباً |
أتمزحُ أمْ هُوَ القَولُ الحَقِيقي؟! |
أُفَتِّشُ فِي المرايا كُلَّ يَومٍ |
عَنِ الشُّبُهَاتِ بالنَّظَرِ الدَّقِيقِ |
فَكَمْ صَدَّقْتُ أَبْيَضَ كُلِّ شيءٍ |
سِوَى مَا ابْيَضَّ مِنْ رَأْسي العَتِيقِ!! |
وكَمْ كَرِهَتْ عُيونِي مِنْ سَوَادٍ |
سِوَى مَا اسْوَدَّ مِنْ شَعْرٍ طَلِيقِ!! |
ومَا ظَنِّي بَأنِّي شِبْتُ لَكِنْ |
سَأُخْبِرُكَ الحَقيقَةَ يا رَفِيقي |
لَقَدْ طَالَتْ دُرُوبُ العُمْرِ حتَّى |
غَشَى رَأسِي الغُبارُ مَعَ الطَّرِيقِ |
أتُرَاني مُكلَّفَاً ب(السِّجَارهْ) |
أمْ تُرَاها لِي صَفْقَةً مِنْ تِجَارَه؟ |
ما الّذ، أَبْتَغِيهِ مِنْهَا وَصَدْرِي |
فيهِ مِنْهَا صَالٍ يَشُبُّ وِجارَهْ؟ |
وَسُعالٌ وَحَشْرَجاتٌ كَأنَّي |
لمْ أكُنْ غَيْرَ (وَرْشَةٍ) لنِجَارَهْ |
كَذبَ الوَاهِمُ الذِي ظنَّ فِيهَا |
خَيْرَ قُرْبٍ عَنْ كُلََِّ جَارٍ وَجَارَهْ |
لَيْسَ مَنْ يَنْزِفُونَ آبارَ رُوحِي |
مِثْلَ مَنْ يَقْذِفُونَ فِيها الحِجَارَهْ |
وَعَجِيْبٌ أنْ يَسْتَجِيرَ مِنْ الرَّمْضَاءِ |
بالنَّارِ مَنْ أرَادَ اسْتجَارَهْ!! |
صَدِيْقِي مَا عَهِدْتُ الهَجْرَ مِنْكَا |
ولا أنَا مَنْ يُحِقُّ الصَّدَّ عَنْكا |
فَمِثْلِي لا تُغَيِّرُه الليَالِي |
أطَابَ العَيْشُ لِي أمْ كانَ ضَنْكا |
أُبَادِلُكَ المَحبَّةَ والتَّفَانِي |
ولَمْ أنْسَ الوَفَاءَ وَلمْ أخُنْكا |
رَصِيدِي أنْتَ مَا لِي مِنْ رَصِيدٍ |
سِواكَ ولا ادَّخَرْتُ سِواكَ (بَنْكا) |
وما اسْتَنْكَرْتُ مَنْ يَجْفُو وَلَكِن |
جَفَاؤكَ كانَ لِي أدْهَى وأنْكَا |
بِلَيْلِ المَقَاهي يَطُولُ الأرَقْ |
عَلَى مَعْشَرٍ يَلْعَبُونَ (الوَرَقْ) |
ويَشْتَعِلُونَ (جُراكاً) وَتَبْغاً |
كأنَّ المَقَاهي بِهمْ تَحْتَرِقْ |
وَما بَيْنَ مَشْرُوبِ شَايٍ وَبُنّ |
يَطِيبُ التَّنَادُمُ بَيْنَ الفِرَقْ |
يَطُوفُ عَليْهِمْ بِها نَادِلٌ |
بِعَيْنَيه يَحْمَرُّ لَيلُ الأرَقْ |
وَتُرْعِدُهُمْ نَشْوَةُ القَهْقَهاتِ |
فَتُمْطِرُ أجْسَادُهُمْ بالعَرَقْ |
إلى أنْ يَبِيْنَ مِنَ الفَجْرِ خَيْطٌ |
يَخِيْطُ وُجُوهَاً غَدَتْ كالخِرَقْ |
يَا رَبُّ إنِّي مِنْ عِبادِكَ حَائِرُ |
بِكَ يِهْتَدي إنْ ضَيَّعَتْهُ بَصَائِرُ |
فالطُفْ بِعَبْدِكَ يا لَطِيفُ وَنَجِّهِ |
إنْ رَاعَهُ أمْرٌ وَخَطْبٌ جَائِرُ |
واغْفِرْ لَهُ مَا كانَ مِنْ هَفَواتِهِ |
يا مَنْ يَصِيْرُ بِنَا إليْك َالصَّائِرُ |
فالعَفْوُ والغُفْرَانُ مِنْكَ مُؤَمَّلٌ |
إنْ أثْقَلَتْهُ كَبَائِرٌ وَصَغَائِرُ |
يا شَافِياً جُرْحيَ ومُؤْنِسَ وَحْشَتِي |
إنْ هَدَّنِي سَقَمٌ وَغَابَ الزَّائِرُ |
مَنْ لِي سِوَاكَ إذا دَهَتْني كُرْبَةٌ |
وتَنَكَّرَتْ لي صُحْبةٌ وَعَشَائِرُ |
فالخَلْقُ مَرجِعُهُمْ إليكَ جَمِيعُهُمْ |
مَا سَارَ سَائِرُهُمْ وَطَارَ الطَّائِرُ |