محمد الماغوط.. وداعاً محمد الفوز*
|
.. النسيانُ شكلٌ آخرُ للموت؛ فالزمنُ الذي يخبئُ أعمارنا لا يرتابُ في وجودنا.. هكذا تجاوز الشاعر السوري محمد الماغوط وجها يشبهه ذات مرة، وهو يردد (أكتب لأعيش) فالكتابةُ تتنفسُ أحوالنا، ولا تؤجلها الحيطان الهاربةُ في غربال هالك يتسولُ الفناء.. إن وقتَ الكتابة؛ هي الفرصة الأزلية للحياة/ الدخول في منطقة منزوعةِ الظل، أعني استعادة الذات على نحو صاخبٍ فالمغامرة ها هنا مباحة ألغتْ مقص الرقيب، كما أضافت رياحا ومواعيد وغيوم وصحراء ذائبة/ كلها فوضى تكومت على الطاولة؛ لكن الماغوط تركَ نصيبنا فيه عائمَ الحنين، واكتفى بضوء بسيط يرشده إلينا من شرفة بدمشق.. وفي العزلة آوى طيوفا كثيرة أولها زوجته الشاعرة سنية صالح التي كتب لها في (سياف الزهور): (آه يا حبيبتي.. الآن يكتمل جنوني كالبدر.. كل أسلحتي عفا عليها الزمن.. كل صحبتي تفرقت.. وحججي فندت، وطُرفي استنفدت، ومقاهيّ تهدمت، وأحلامي تحطمت، ولم يبقَ لي إلا هذه اللغة فماذا أفعل لها.. ) لا أدري؛ هل انتهى بك؛ واختصركَ ببكائية حالمة بعودتك أيها الماغوط.. لقد أفجعتني (توقفت عن الكتابة، ولم تعد عندي رغبة بمعرفة ما يدور في العالم من حولي ) أتعلّمُ منكَ ثم أحزن على أنفسنا التي تغارُ على الإنسانية ولا تحترمها، أشعرُ أننا مجازٌ مطلقٌ، وأنت الحقيقة، لذلكَ أعلنُ وفاتكَ فينا أيها الساخرُ ينتظرنا (خارج السرب)؛ دع المكانَ وحيدا فإما أن نكون سويا أو لا نكون!..
ويراه الكاتب خليل صويلح (كلما وجد ذاته في برواز يقوم بتحطيمه، لأنه ولد في العراء، حيث لا شيء نهائيا في مفازة السراب) ولذلك فالماغوط لم ينس أبدا أمه/ بنت الريف.. تلك الغجرية التي همزتْ له ذاتَ حلم أنها غافلة عن الموت الذي سوف يردُّها أو يرتدّ هو عن الحياة التي أصبح غافلا عنها. إن هذه الحساسية العارية لن تردم؛ كيف؟! كل المبدعين يعيشون هوسا مجنونا يريبهم ولا يرتابون في أنفسهم؛ ولكن الذي أتعب الماغوط؛ أن الحياة هو!.
تعرية
الذي يكفُّ عن الحلم؛ يموت.. فالواقعُ فلتة لا تحزمُ جهاتنا على دروبِ الراحلين، هكذا أتربّى والفنتازيا معي لأنها خروجٌ أبدي على الذاكرة التي تتورط بالمأساة وبالشك وبالآه وبالموت وأشياء كثيرة تتمطى في وجودٍ يشبهنا.. هكذا أيها الساخرُ برنارد شو العرب محمد الماغوط؛ سوف أخسرك:
في يدكَ..
تتلاشى عاصفةٌ
كيف؛ تورط الكهَّانُ على أسرارٍ
تتمطى في دولابِ خذلانهم
وأنتَ لا أنتَ..
الآن؛ سوف ينقص التبغُ
لكن سيجارتك لن تطرد الرائحة
التي عاشتْ بك!..
لكنك..
تركت أحلامك/ نحن
حتى أعلن محمد الفوز موتك
ها هنا تفاجأ غربالٌ في موعدٍ قديم
كان يضمك وهْم
ثم..
تهزأ.. تهزأ..
بأن العزلة مرضٌ جديد
ينزع أشواقهم منك!..
في (نصوص العار:)
(.. نحن لسنا مرضى عاديين
بل مرضى متفوقون
من يجرؤ على مناقشتنا أو علاجنا وجها لوجه)
محمد الماغوط؛ قلبٌ آخر كان ينبض
في أزماتنا جميعا لكنه توقف.. توقف.. توقف عن النبض/ الكتابة!..
* السعودية
m_alfooz@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|