| قالُوا لَقد أكثرتَ من ذِكْرِ الهَوَى |
| فِي الطائفِ الداعِي إلَى بُستانِهْ |
| وتَوَهَّمُوا وَهْماً: بِأنِّي عاشِقٌ، |
| مِنْ بَحْرِ جُدَّةَ، قد أتى بِدِنانِهْ!(1) |
| ما راعَنِي أنْ أسْرَفوا فِي وَهْمِِهِمْ |
| فالصَّبُّ يَعْشقُ مِنْ هُدَى دَيَّانِهْ |
| وَ لَقَدْ فـُتِنـْتُ بِحُبِّهِ وَ بِأهلِهِ |
| وَ عَـذَرْتُ مُنكِرَهُمْ عَلَى نُكْرانِهْ |
| كَمْ سامَرَ السُّمـَّارُ فِي وُدْيانِهِ |
| وَ تناهَـزُوا ما طابَ فِي أرْكانِهْ(2) |
| وَ مَتى انتهَوْا صَفَقُوا جَناحاً مُثقلاً |
| يُنبِي بِما قـَصَفوهُ حَولَ جِفانِهْ(3) |
| ما اسْتأنـَسُوا بِغِراسِهِ وَنـُضَارِهِ |
| مِن غَرْبِ أَجْبُلِهِ إلَى (مَيْسَانِهْ)(4) |
| وَ اللهِ، ما ذاقـُوا حَلاوَةَ تِيـنِهِ |
| أو رَصَّعُوا قُـبَـلاً علَى رُمـَّانِهْ |
| أوْ شاقهمْ تُوتٌ على شفةِ (الْهَدا) |
| فيهِ اللَّما البَرَّاقُ منْ عِقيانِهْ(5) |
| أو أُنهِلُوا شَهْدَ (الشَّفا) مِن نَحْلِهِ |
| وَ تَنافسُوا في الْجَنْيِ مَعْ خُزَّانِهْ(6) |
| وَ جَنوْا كَمَا اللَّهْفانِ فيهِ جَرَاءَةٌ |
| وَ النَّحْلُ يُرْقِصُهُ بِلَسْعِ (زُبَانِهْ)(7) |
| أو هَزَّهُم غَيَدُ الْهوى فِي وَرْدِهِ |
| وتـَلَوَّعُوا مِنْ قطْفِهِ بِسِنَانِهْ(8) |
| أو لامَسُوا التفاحَ مُنْذُ تَبَرْعُمٍ |
| لِيَـثُورَ، مَحْضونـًا، عَلى حَضَّانِهْ |
| وَ تَرشَّفوا عِنَبًا تَعَتَّقَ نَضجُهُ |
| لِيَبِينَ فِعْلُ الرَّشفِ فِي كَرَاوانِهْ(9) |
| وَ رَوَاهُمُ الكادِي بِأَوَّلِ نَخبِهِ |
| مُتَأنـِّقاً يَسْقِيهِ مِن كِيـزانِهْ |
| وَ أراهُمُو زهْرُ الْربِيعِ فَرَاشـَهُ |
| هَيْمَانَ بالتـَّرْشافِ فِي جَوَلانِهْ(10) |
| أو فَلْسَفوا سِرَّ السَّراةِ وَ غَيْمِها |
| وَ الرَّعْـدُ يَفسُرُهُ لَهمْ بِلِسانِهْ |
| وَيَخُطُّ فِي لَوْحِ السَّماءِ حَدِيثـَهُ |
| وَ يَـزِيدُ بـِالألوانِ فِي تِـبْيَانِهْ |
| والله ما اسْتـَمَعُوا لِشِعْرِ عُكاظِهِ |
| وَ تَأمَّلوا الإبداعَ فِي بُنـْيَانِهْ |
| وَ رأَوْا قُضاةَ الشعرِ حينَ تَهَيَّأوا |
| لِلْحُكمِ أحْكَمَهُ مَدَى إتقَانِهْ |
| فَيُعَظَّمُ الشِّعرُ الجليلُ بِحَقـِّهِ.. |
| شِعرُ الفَصيحِ يُعَـزُّ فِي أوْطانِهْ |
| صَدَحتْ بهِ الشعراءُ وهْوَ مجَلْجَلٌ |
| لِـيَـمِيزَهُ صَنَّـاجَةٌ بِـوِزانِهْ(11) |
| وَ تَمتعت أسْماعُهمْ بقصائدٍ |
| من قيْسِهِ الأعْشَى وَ مِنْ ذِبْـيَانِهْ |
| وتَراءَتِ الخنساءُ تعْرِضُ شِعرَها |
| وَ سَمَتْ بِهِ أُفُقًا على حَسَّانِهْ |
| فإذا تَجَلَّى الشِّعْرُ فِي رُدُهاتِهِ |
| جَمَّ الصَّدَى مِن فَوْرَةِ اسْتِحْسانِهْ |
| قامُوا عَلَى تذهيبِ كُلِّ جَلِيلِهِ |
| لِيُفاخِرُوا الدُّنـيَـا بِطَلْقِ عَنانِهْ |
| كَمْ فِي الدُّنا صَبًّا يُبَاهِي مِثـْلُنا |
| بِالطائفِ الزَّاهِي وَ صَرْحِ بيَانِهِ |
| فَلَـكُلُّ مَن عَشِقَ الْجَمالَ، وَنالَهُ |
| مُتـَذوِّقـًا، يَهْـُفو إلَى اسْتِيطانِهْ |
++++++++++++++ |
| 1 الدِّنان: جمع الدَّن وهو الوعاء الضخم الذي يستعملُ لمختلف السوائل وغيرها. |
| 2 تناهزوا: تناهزوا الشيءَ، نَهضوا لتناولِهِ. |
| 3 قصفَ: أقامَ في أكل وشربٍ ولهوٍ. الجفان: قصَعُ الأكل. |
| 4 النُّضار: كل شجر أثل ينبت على الجبال. وهي من نَضَرَ ونَضُر، كنضر الشجرُ والوجهُ واللونُ أي نعُمَ وحسُنَ ولطف. |
| مَيْسَان: مَصِيفٌ جَبَلي مرتفعٌ جميل، يقع جنوب شرق الطائف. |
| 5 الهدا: مَصيفٌ جبليٌّ جميل، يقع غرب الطائف.. وهو بين الطائف ومكة المكرمة. |
| 6 الشفا: مصيف جبلي جميل.. أكثر ارتفاعاً من الهدا ويقع جنوب غرب الطائف. |
| 7 زُبانه: جمعٌ لِزُبانَى العقرب، وصحيح جمعه هو الزُّبانَيَات. |
| 8 الغَيَد: نُعومة التمايل. |
| 9 كروانِهِ: الكروان طائر جميل الصوت. وإذ لا يوجد هذا الطائر في الطائف، فهو هنا كناية عن نوع الطير. |
| 10 الترشاف: كثرةُ الرشف. |
| 11 المُجَلجَلُ: الذي لا عيبَ فيه. |
| الوِزان: من وازن موازنةً وَوِزاناً. |
| ++++++++++++++ |