قصة قصيرة خوسيه أحمد الشدوي
|
الشمس تشوي هذه الناحية من المدينة، وتذرف دموعها طوال العام في الناحية الأخرى.
يتهيأ للناظر لها أنها أوزة، لا تقف إلا على رجل واحدة، فحرارة خط الاستواء تصب جام غضبها كل يوم، من يرقب هذه الناحية تصفعه الدهشة، فالأحياء المتناثرة هنا تتناوب العزف، والقاطنون فيها فريقان، فريق يأخذ دور معدات العزف، والآخر دور جدار الصدى، والذاكرة وحدها العصفور الراقص لموسيقى الألم.
يبقى أن البعض أنشأ أكواخاً مرتصة على ضفاف مستنقع بقايا الدموع، فأصبح رئة يقصدها القاطنون للتنفس.
هذا الطفل الرابض في حفرة قرب المستنقع، ينظر صوب العملاق المتهالك بجواره، يتساءل: ما إذا كانت الشمس (فيما يروى)، تذرف الدموع لدينا.؟
العملاق المتهالك لا يكاد يرى الطفل، فالعرق المتساقط من جبينه الأسمر يضرب جفنيه بلا هوادة، يرد: الذاكرة هي الشريان المقطوع للعصفور الراقص. الطفل اعتبر هذه الإجابة من الهلاميات التي تشكل حسب فضاءات الموقف، غضب ورد ساخراً: هذا الزبد المتكلس في شدقيك، سيتنامى ويقفل فمك. نهض العملاق المتهالك وقبل أن ينصرف، لمح الطفل من كوة الضوء التي تبقيها رموشه المتشابكة، وقال: هذه الحفرة ستحيلك مع الوقت لضفدعة.
في هذه الحفرة يجري الطفل تجاربه، في المدرسة يتعلم أشياء وفي الحفرة يختبرها، تمكن منذ فترة من اختبار تجربة المد والجزر ضمن ماء الحفرة، هل يتمكن من نقل خط الاستواء؟
أخبر أمه وجيرانه عن تجاربه، لا يجرؤ على الحديث مع أبيه حول ذلك، فلعناته تلاحقه داخل الحفرة. اترك الدراسة. كن معي تتعلم مهنة العربجي. حماري لن يتمكن من الإنفاق عليك طويلاً. الوظيفة تسحل ظهرك. منطقة مجهولة بين تجارب المد والجزر وبين تجربة خط الاستواء، قد تنتعل خفي حنين، بين شقاء الذهاب وزلزلة الإياب. لكنها خارج حدود المعرفة اليقينية بالتأكيد، لعل البحث عنها ممكن في دهاليز الظن. لا يمكن لطفل الحفرة التعامل مع تلك المساحة المجهولة إلا في حالة واحدة، إذا كان الزمن يساوي صفراً تمام المساواة. و(لا يمكن) هذه تقبع في المساحة الصفرية للزمن.
بين لعاب المحاضرات ولبن ثدي الأم لا توجد مساحة زمنية، هذا ما تذكره الصحف الصادرة في شمال المدينة حيث تبكي الشمس. والعملاق المتهالك يذرف صوته تسجيلاً نضبت فيه البطارية. يعرض عنه الطفل الرابض، يطوي الحفرة بخطوات حلزونية، يحملها ويبحث عن المنجم، هناك... تسبقه المخلفات.
قرر أخيراً بيع حفرة التجارب، والناس تضحك بأفواه مفتوحة، تبلع قطرات العرق وذرات التراب، فتحيل الأجساد الصلبة لأجساد دبقة.
حدث شيء مربك....
تقول أمه:
جاء ملك الجان الأبيض وتحادث مع صغيرها، ضحكا سوياً، أشار الطفل إليها بيده، وحملا شيئاً ما من الحفرة ثم اختفيا.
أصبحت سيرة الطفل الذي كان رابضاً في الحفرة على كل لسان، ونسي الناس حرارة خط الاستواء، لأنهم أطلقوا على الطفل الغائب اسم خط الاستواء. إلا أن الاسم ثقيل جدا، حوروه على خيسواء، ثم استقروا على اسم خوسيه.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|