الحداثة.. بين عملية الفرض والرفض سعد البواردي
|
(حكاية الحداثة) كتاب جديد لأخي الأستاذ الدكتور الغذامي صدر حديثاً أثار زوبعة من الجدل خرجت عن مألوف الحوار الى دائرة الإقصاء.. وما يعنيه من إلغاء لهذا الجانب أو ذاك.. وهو مالا يخدم فكرة الكاتب.. ولا يخدم أيضا رؤية الناقد..
إن التجاوز عن الموضوعية.. والخروج بالقضية عن مسارها العقلاني الفكري الى تصادمية تعني في طياتها مصادرة الرأي إن هي إلا ضرب من ظروف القتل لروح النقد المنهجي وما يعنيه من شد لحركة الابداع من جانب.. وحركة الابتداع من جانب آخر..
من حق الغذامي أن يطرح رؤيته المنهجية النقدية كما يشاء بعيداً عن التقليل لأطروحات غيره.. ومن حق الذين يختلفون معه أن يقولوا عن نظريته الثقافية البنيوية ما يعتقدون انه الصواب دون تشنج.. ودون عملية إقصاء.
إن نظرة الى العناوين العريضة التي أفرزها الخلاف.. وأبرزتها ساحة العراك والجدل الفكري البيزنطي تؤكد أننا بصدد مرحلة تحول فكري لم نكن مؤهلين للتعامل فيه مع الرأي والرأي الآخر بأسلوب حضاري بعيد عن المناوشة الجارحة.. أجاءت ظاهرة أم مبطنة مثلاً:
* الخلاف الذي أثاره كتاب الغذامي ليس بسبب الحداثة بل لأسباب شخصية والحداثة مجرد غطاء.
(ردود الفعل تنبئ عن المخبوء والموارى والمضمر).
* الاتهامات التي تساق ضد الحداثيين معتمدة على التشويه المتعمد، والتهويل الغوغائي!!
* لم تعجبني (حكاية الحداثة) لأن بها طمساً لحقائق وتواريخ وجهود واعلام.
* هل على الشعر أن يختفي لأن الغذامي أراد له ذلك؟
الغذامي ولعبة الأنساق
البعض من العناوين المتقاطعة في حدتها.. المتضادة في فكرتها.. المشحونة بجفوة لا تقرب بين نظرتين.. ولا تساهم في خلق جو معرفي هادئ يطرح على بساطه مستجدات الدكتور الغذامي ومدى توافقها أو تعارضها مع ثوابتنا الفكرية.. وأدبياتنا التي ما زالت في حاجة الى حركة تنوير وتطوير لا تخل بقواعدها الثانية.. ولا تبني حائطاً من العزلة الثقافية الابداعية من حولنا..
نعم للغذامي مبدعاً تملك شجاعة الطرح لرؤية جديدة آمن بها.. وارتأى فيها خطاباً فكرياً عصرياً يمكن الأخذ به كأداة متطورة المحتوى والشكل.. شريطة ألا يتخذ من أدائه وأدواته عملية إقصاء ولا إلغاء لمفاهيم أخرى لا توافقه نظرته لأن لها حساباتها بل وحاستها الحساسة جداً فيما يتعلق بنظرية التغريب.. والتعريب.
ونعم أيضا لمن لا يتفقون مع الغذامي وفق حساباتهم وقناعاتهم بأن الحداثة ليست نسفاً للقواعد.. والغاء للمقومات التي قام عليها البناء الشعري والفكري.. فالأصول لا يمكن أن تخضع لتجربة وافدة تحكم عليها بالفناء.. والإبعاد.. شريطة ألا تأتي الردود صدامية تتنافى وأدبيات الفكر التي تأخذ بالعرض وليس بالفرض.. وإنما بالحوار العقلاني الذي يأخذ بالمُسلَّمات دون عملية إقصاء.. لا يجيزها منطق الفكر ولا ديموقراطية الحوار.
من حق ناقدنا الكتور الغذامي أن يلوح بشعار حداثته.. برؤيته وقناعته.. ومن حق غيره أيضا أن يلوح بشعار معارضته.. مبدياً براهينه وأدلته.. الخيار بين خيارين يتحكم فيه المذاق الفكري من حيث الأصالة والابداع.. والاضافة التي تثري المحصلة ولا تتصادم مع قابليتها مذاقاً وقيمة..
الفكر مشاع للجميع.. مائدته مفتوحة للتناول.. أطباقه لا تفرض نفسها.. وإنما تعرض نفسها.. الأيدي هي التي تختار وفق مذاقها.. وغالباً ما يظل الطبق الغني بعناصره الغذائية هو الطبق الذي تلتهمه الأفواه دون غيره من الأطباق التي لا تسمن ولا تغني من جوع..
لا تعنينا المسميات أجاءت بنيوية أو حداثية أو تقليدية.. المهم المُسلَّمات حيث الابداع. وحركة التطوير التي تضيف ولا تصادر.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|