بدر بن عبدالمحسن التنفس في عالم مختلف عبدالله الزازان
|
الكتابة عن الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن لا تشبه الكتابة عن أي شاعر آخر ذلك أن بدراً مر في رحلته نحو الشعر بمرحلتين أو قد نقول أسس تجربته الشعرية على قاعدتين أساسيتين:
الأولى: الإرث الثقافي الشعبي النجدي ونقصد به الثقافة الشعبية (اللهجة، الأعراف، العادات، التقاليد) التي تعتبر في تصوري أحد الأركان الأساسية في التجربة بل هي أحد مصادر الإلهام الرئيسية عند الأمير بدر ولا أتصور انه سوف يستطيع الفكاك من هذا الإرث الثقافي الشعبي الذي هو مركز التجربة لانه تجذر بهذا الإرث عن اقتناع وجداني وعاطفي ونفسي وعقلي بل إنه اعتبر الثقافة الشعبية وقود التجربة وهي قناعة نابعة من اعتقاد راسخ لدي وقد التزم بهذا الاعتقاد التزاماً مطلقاً ، فأنت تراه إذا مدح أو تشبب أو رثا أو وصف أو أراد ان يقول شعراً يقوم على الفخر أو الحماسة فإنه يلجأ إلى هذا المخزون الشعبي حتى صار الشعر عنده هذا الموروث وأتصور ان لديه اقتناعاً جاداً بأن هذه الأشياء هي الأدوات الحقيقية للشاعر الحقيقي لأنه لا يرى الشجاعة والبطولة والكرم والمراجل والفروسية إلا في ثقافة الصحراء فهو يحمل الصحراء في داخله أخذ منها تجاربه وتعلم ثقافتها واستلهم أصالتها ثم تحدث باسمها.
القاعدة الثانية: المعاناة الحقيقية فبدربن عبدالمحسن مثقل بالهم تكسوه مسحة من كآبة ينطوي على حزن معقد وهو في تصوري حزن فطري أو ما يعرف عند علماء النفس بالحزن الكيميائي الذي عادة يولد مع الشاعر ويبقى معه إلى الأبد فإذا تغزل أو وصف أو مدح أثار غزله ووصفه ومدحه الانكسار، ولا شك ان الإرث الثقافي والمعاناة المركّبة ينتجان شعراً ويخلقان شاعراً.
هاتان القاعدتان متلازمتان وممتزجان (المعاناة والإرث) حتى اتحدتا مضار الترحال، والظعن ، وبيوت الطين ،والفيافي والعنوسة والذئب حالات حزن ولذلك فإنني اختلف مع الذين يتصورون أن بدر بن عبدالمحسن يمكن أن يكتب القصيدة العربية الفصيحة ويصنع بها مثل ما صنع بالقصيدة الشعبية فبدر يستمد طاقته الشعرية من الموروث الشعبي النجدي وهو الباحث الحقيقي عن الشعر، فبدر مغرم بالمراجل النجدية ويراها بأنها هي التي تلائم الفارس والبطل والشاعر فإذا قرأت قصائده رأيتها صورة للمراجل بمقاييس أهل نجد ومعظم الشعراء الشعبيين ينطلقون من هذه الثقافة الشعبية إلا أن مقدرة بدر بن عبدالمحسن تكمن في توظيف هذا الموروث فهو مرة يعرضه أسطورياً وارستقراطياً، وفلسفياً ورمزياً وكلاسيكياً وواقعياً وسريالياً وهجينياً وهلالياً ورومانتيكياً فهو يحسن توظيف اللهجة الشعبية توظيفاً مبهجاً ويجعل للقصيدة من خلال هذا التوظيف وهجاً خاصاً فهو يشبه تماماً في صياغته لهذا الموروث الشعبي البنائين المهرة الذي أعادوا صياغة بيوت الطين بأساليب عصرية ،إن إعادة صياغة الأشياء التراثية بسبك عصري مسلك قديم برع فيه اليابانيون فعندما التفتوا إلى بلادهم وجدوا أنها في منأى عن العالم جزر تائهة بلا تراث بلا ثقافة غير (الشنتوي) فلسفة يؤمنون بها ونظام إقطاعي متسلط ذهبوا إلى الصين وجاؤوا بكل التراث الصيني وجلسوا يبنون بلادهم على جزئيات ومفاصل التراث الصيني وقد كان دورهم إعادة صياغة التراث الصيني صياغة يابانية وحدث مرة أخرى مع الغرب حين نقلوا وأعادوا صياغة التقنية الغربية وعند ذلك دقوا أبواب السيادة العالمية.
معظم ما في الحياة يصاغ ويقدم للناس على انه جديد إلا اللغة العربية وقد يرفع البعض حاجبيه وخصوصاً اللغويين.
ولذلك فإن بدر بن عبدالمحسن لن يستطيع أبداً أن يفصّل اللغة العربية كي تتلاءم مع حالته ويجعلها ترجمة حقيقية لوجدانه وظروفه ونبضه ومشاعره لأنه آمن بأن الثقافة الشعبية هي التي تعبر عن ألمه وحزنه وعشقه وكرمه وفروسيته وبطولته وشجاعته وكرهه فلو قرأت مجموعته الشعرية (رسالة إلى بدوي) أو ما ينفش العصفور في ثمرة العذق رأيت أن الثقافة الشعبية هي مركز التجربة وقد فرض هذا المنهج على الشعر فرضاً حيث سبر أغوار وطبيعة الثقافة الشعبية وحولها إلى حلم جميل ،وقد استطاع بمهارة ودهاء وذكاء وحيلة ان يخضع الثقافة الشعبية لنوازعه الفنية .
لقد تصالح الرجل مع الثقافة تصالحاً لا أعتقد ان وراءه انفكاكاً ، فمفهومه للشعر (التعبير عما يستعصي على الوصف) وقد وجد في الثقافة الشعبية التعبير الذي لا يستعصي على الوصف ولكن من حق الشاعر ان يختار أداته الخاصة للتعبير عن مشاعره ولكن ليس من حقه أن يتحدث عن مشاعره بصورة غير مفهومة، ونحن هنا نقصد العمل الفني وليس مجرد الحديث بإمكانه أن يتحدث ، وموقفنا النقدي من العمل الفني فمن حق الناقد أن يقول رأيه فيه ان السياق الاجتماعي والبيئة الثقافية الذي تخلقت فيها تجربة الأمير بدر من العسير التحول عنها إلى سياق اجتماعي وبيئة أخرى من هذا الجمهور الواسع العريض الذي نبت مع التجربة من سوف يتحمل مسؤولية مصادرة حقه في هذا الفن ولعل هذا التحول سوف يكون أحد الأسباب المهمة في انصراف الجمهور عن تجربة الأمير بدر بن عبدالمحسن الشعرية.
والسؤال الوارد هنا كيف يستطيع الأمير بدر أن يتكيف مع هذه البيئة الثقافية الجديدة ،فالانتقال بين ثقافتين بيئيتين مختلفتين يحدث تحولاً سلبياً في الفن فالتأقلم الثقافي يظل عسيراً ، وأعتقد أن رغبة الأمير بدر مع التحول لكي يصبح في مجتمع الثقافة الغالبة ولكن كيف يستطيع ان يؤكد الاندماج ويتمثل خصائص الثقافة الفصيحة أعتقد أن أمامه طريق طويل وعادة الذين يتخذون هذا الطريق لا يمضون فيه إلى نهايته.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|