أعر اف محمد جبر الحربي بل كنت أنا
|
لست أنا من رأيتِ. لم أكن أنا، كان ذلك ظلي.
لقد سرقني مني كل ما ليس أنا، سرقني مني هذا اللهاث المفروض على كل من هو مثلي.
كم حلمنا، وكم سألنا ونحن أدرى، وكم صدمنا، وكم ندمنا.
كم وَعدنا، وكم وُعدنا.
كم نهلنا، وكم عللنا وما ارتوينا، وكم أبحرنا في الرمل وما وصلنا.
كم عدنا إلى أول الدرب أو أول الجرح حاملين الصخرة ما بين انكسار وأمل لا نريد له أن يتحول إلى سراب، ما بين انتصار الوهم ووهم الانتصار.
ولكم جندنا الفأل، وما زلنا.
لم أكن أنا. كان ذلك جرحي.
كم تمنيت لو لم يصلك نزفي وبوحي.
ولكن ماذا أفعل بهذا القلب الذي لا يعرف كيف يكتم الحب، ولا يحسن الصمت أمام جمال الأرواح، وسكينتها، وترقبها واستماعها الحنون.
كان لا بد لي أن أغني
كان لا بد لي أن أزيح الغيوم التي تراكمت.
كان لا بد لي أن أرشد النجوم التائهة في سمائي لتهتدي لروحي.
كان لا بد لي أن آخذك للبحر لتستمعي، وتغرقي معي في الزرقة كي تعرفي سر هذا الحزن الدفين.
يقولون إن الصب تفضحه عيونه.
فهل فضحت عيوننا حبنا لأوطاننا وأهلنا؟!
هل فضحتنا كتاباتنا؟!
هل فضحنا موتنا؟!
بل كنت أنا، وجرحي وظلي، وروحي وبوحي وكلي.
لكنني ينتابني الحزن كلما قذفت بحجر في المياه الساكنة، ورأيت الدوائر تجتاحني.
كلما كتبت قصيدة تطلق الداخل من أسر اللوحة القديمة.
كلما أطلقت عصافير البوح، وبلابل النوح.
كلما عدت طفلاً تنساب من بين يديه الكلمات والدهشة دون حراسة أو رقيب.
ألذلك يحب الشعراء أن يبقوا أطفالاً بعيداً عن قسوة الحياة والبشر؟!
ألذلك يستعيدون الطفولة كل حين؟!
ألذلك يسعون خلف العدالة والمساواة والحق والخير والجمال والسلام؟!
قلت لك إن الحروب تقتل الناس، بل تقتل الحياة كل الحياة بكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة.
لكنها تظل تقتل الشعراء كل يوم، كل التفاتة، كل إطراقة، وكل إفاقة.
كل انطلاقة حرف، وهبوب ريح، وانكسار غصن غض.
مالي أكتّم حباً قد برى جسدي
والناس ادعاءٌ ولهاث خلف السراب
والحروب لم تضع أوزارها
والحياة مرسومةٌ بدم الأبرياء.
mjharbi@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|