صورة المرأة في الأدب السعودي «3» المرأة والخطيئة: في رواية فسوق - نموذج أول سهام القحطاني
|
(المرأة ترى لها نفس الحق في ارتكاب ما يمارسه الرجل لأنها تحمل نفس ميوله.)
حمزة شحاتة
هل كل امرأة هي مشروع للفسوق؟
عدالة المجتمع التي تعلّق جرس الفتنة في عنق المرأة ككلب ضال نجس، حتى في آخر لحظاتها وأشدها قدسيّة، فلمس المرأة الميتة حرام، ولمسها وهي حيّة أيضاً حرام! اللمس كمفهوم موازٍ للمتعة، إذن تتساوى قيمة الموت مع الحياة داخل المرأة في تكوين الصورة واتمام ملامحها، هكذا تدور فكرة الرواية، متنقلة من بين ثنائية الخطيئة المرأة والمتعة، بداية من جليلة العشيقة ثم زوجة أخ جليلة أبي يوسف الخائنة إلى جليلة الابنة الهاربة من قبرها، ثم امرأة أخرى تركت خمسة أطفال وفرّت مع عشيقها، ثم امرأة أخرى حنّت إلى حبيبها القديم فقررت الجمع بينه وبين زوجها، وإلى (رحاب) زوجة خالد بطل الرواية التي ظلت في ذهنه حتى النهاية (مشروع قابل للفسوق) (في كل لحظة ثمة خيانة تحاك على هذه المعمورة)-ص92- إن مفهوم الخيانة الزوجية- الزنا مثل مفهوم الخطيئة- الزنا كلاهما مرتبطان بجسد المرأة، ولذلك كان توصيفهما الديني واحداً هو الزنا، وعقابهما واحداً يقوم على تأديب مصدر الخطيئة والخيانة، (فلو أن كل امرأة منحت حق رفض زوجها، من غير انتقاص لكرامتها، وعفتها، وشرفها، لما حدثت الخيانة، ولما حدث الزنا أصلاً) - ص182- وهو قول لا يبرئ المرأة من جريمة الخيانة الزوجية، بقدر ما يرحل مفهوم الضحية من الأضعف إلى الأقوى في هذا العمل، وهو بلاشك أعطى بعداً فلسفياً للسلوك الإنساني، وإن كان بعداً عاكساً ما ينبغي له أن يمثله ويوظّف من أجله، إلا في حالتين، الحالة الأولى تتم بوعي كافٍ، والحالة الثانية تتم بغير وعي.
أما الحالة الأولى فتتم عندما يقرر محسن الوهيب أن يسمي ابنته الوحيدة باسم عشيقته السابقة جليلة، هذا الاسم يرحل من خلاله الأب تاريخه العاطفي القديم إلى ابنته، هذا الحقن الذي يدمج ذاكرتين داخل جليلة الابنة، بما فيهما التمرد العاطفي، يجعل القارئ يستفسر أكثر من مرة عن سبب هذا الترحيل والإحياء لنموذج ماضوي، وقد تتعدد مضمونات الإجابة عن سؤال التفسير، لتتسع مساحة الاحتمال والترجيح، مابين عقدة إليكتريا لتصبح جليلة الابنة نموذجاً بديلاً لتعويض الأب عن عشيقته السابقة، وهذا ما جعله يرفض زواج ابنته من محمود ليظل مستأثراً بها ولوعلى المستوى الوجداني، أوالاستمرار في جلد الذات للتطهر من عقدة الذنب التي ظلت مصاحبته بأنه سبب موت جليلة العشيقة، أو لعلها عدالة الانتقام التي تتبع منطقاً يختلف عن عدالة المجتمع، لا يدركها إلا الراسخون في قراءة التاريخ الإنساني، كما أن هناك نموذجاً آخر يرحل إلى ذاكرة جليلة الابنة، يؤكد داخلها أن المرأة هي مشروع قابل للفسوق، وهو نموذج (حمدة)، التي ترحلها (جدة) جليلة لتحقن به ذاكرتها، وهو نموذج ظلت تحتفظ به في ذاكرتها حتى أرسلته عبر رسالة إلى حبيبها محمود (كانت جدتي تقول لأمي وهي تجدل شعري: هذه البنت بتطلع على حمدة.. وحمدة امرأة أحد أخوالي، وهي امرأة يحبها الرجال لكنها لا تحبهم، ولا تبوح بمشاعرها لأحد. وهذا سبب وله الرجال بها، رحمك الله ياجدتي،أين أنا الآن من حمدة؟) ?ص 39- فحمدة ظلت فتنة يعلّق جرسها في رغبات الرجال الذين ولعوا بها، والمرأة على مستوى القدرة هي مخلوق غامض قد تصل للفعل الخارق الذي يتجاوز الحدود الطبيعية للفعل الإنساني، وهي فكرة يروجها العامة عندما ينسبون المرأة للشيطان، وهو وعي يتم اكتشافه عبر آراء العوام في تحليل اختفاء جليلة من قبرها، (كان لها مخرج سري، قامت بهد جدار منزلهم المطل على الشارع الخلفي، ووضعت له ديكوراً يظهره كتحفة تزين بها غرفتها، وكانت تسلل من هذا المخرج ليلاً، لمقابلة من تختاره من شباب الحارة..لم يكن الباب مخرجه السري الوحيد، بل عمدت إلى إيجاد منافذ كثيرة داخل غرفتها التي حبست بها، وانشغلت أثناء حبسها، بنشر حديد نافذتها من أقصى أطرافه، وفي الليل تزيله لتستقبل عشاقها داخل غرفتها بدلاً من الخروج إليهم) ص 79- وهذا يدل على أن تعامل العوام في المجتمع السعودي مع فكرة الخطيئة بالنسبة للمرأة ما تزال غير مستوعبة على مستوى التسويغ، وهو ما يدخلها حيز اللامعقول، وعقدة اللامعقول للخطيئة ناتجة عندنا من عقدة أخرى وهي عقدة الخصوصية، التي تمنح أفراد المجتمع خاصية القدسية، لذا تظل الخطيئة في ضوء تلك الخاصية هوعمل غير معقول يتبع أفعالاً غير معقولة.
أما الشخصية الثانية التي تعتمد على إستراتيجية الترحيل والأكثر نضجاً فنياً في هذا العمل، هي شخصية شفيق الذي عشنا سيرتها الذاتية واستوعبنا تفاصيل اللا وعي، وناتج سلوكه الذي يتفق إلى حد كبير مع سيكولوجيته النفسية، الرجل الذي اعتاد وألف التكيّف مع الموت، فقيمة الحياة والموت عنده هو(الجسد) وليس الروح، وهي القيمة التي فكر في بقائها عبر محاولاته في مجال التحنيط، والمرأة على مستوى قيمة المتعة عنده كرجل هي الجسد، لذا ظل محتفظاً بجسد جليلة لأنه يظن أنه سيحقق من خلاله متعته، دون احترام لقيمتها الإنسانية، فالمتعة عند الرجل رغبة وليست قيمة، عكس المرأة فالمتعة عندها قيمة وليست رغبة، ولذا تقرن المرأة المتعة بالحب؛أي بحالة إنسانية، في حين ان الرجل يقرنها بالإشباع، نقطتان تتوسد كل منهما طرفي الخط المستقيم للعلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة، ومنها نبني مفهوماتنا للأشياء ومحاكمتها، أقصد الرجال والنساء، وشفيق تعلّم مفهومه للمرأة والحكم عليها من خلال تجربة الرجال الآخرين الذي كان يلتقي بهم على القهوة، وكلما كانت أحكامنا من خلال تجارب الآخرين زادت مساحة الخطأ والعشوائية لمضمون تلك الأحكام، وكما أن مفاهيم الرجال حول النساء تتوحد، فمواقفهم وردات أفعالهم حول خطيئتها أيضاً تتساوى في ردة الفعل وحدته عندما يتعرضون لذات الفعل وهو منطق عبر عنه لا وعي محسن الوهيب عندما هربت ابنته فتذكر خيانة زوجة أبي يوسف أخو جليلة عشيقته القديمة (هاهي الأدوار تتجسد مرة أخرى، هروب امرأة مع عشيقها، ورجل يبحث عنها ليغسل شرفه بالدم..ربما كان في جلسته الصنمية تلك، يفكر بالقصاص العادل، هروب الزوجة كهروب الابنة؛ كلاهما عار يجب التخلص منه بالدم، قال جملة أفشت شيئاً مما هو فيه، هكذا صرخ فجأة: ليرحمك الله يا أبا يوسف!!...كمن مسته العدوى، عدوى شبيهة تماماً بمرض أبي يوسف، حيث كانت عربة الجنون تبحث عن منفذ صغير لتخترق جمجمته، يجلس سارحاً عن الدنيا، ويضرب فخذه من غير إرادة مردداً: من يوصلني إلى رقبتها.. تتكرر الحياة كاللحن المسروق.. ها هو يجلس اليوم في غرفته، والدم نفسه يسيل من مخيلته، وينتقل بين جملتين، فحين ينكسر يردد،، قتلتني يا جليلة,, وإذا طفح الدم من مخيلته، يأخذ في الهذيان صارخاً: من يوصلني إلى رقبتها) - ص25-فالرجل لا يغفر للمرأة خطيئتها إلا إذا كانت عشيقته، وما عدا ذلك تظل حرمة الخطيئة قائماً ومقدسة في مرجعية الرجل، ولعل هذه النظرة التي تترسخ في اللا وعي محسن الوهيب، هي التي جعلت جليلة تظل عقدة ذنب تمتص حياة روح محسن الوهيب، فحبه لم يكن ضمان كفاية لحمايتها من القتل، وهو ما جعل جليلة العشيقة تظل داخله (جرح مكرر.. تركها مرة تجزّ رقبتها) - ص26-
* من دراسة (العقل السعودي في الميزان)
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|