وجوه وزوايا احتشاد! أحمد الدويحي
|
بعد نهاية المسرحية (سيئة الذكر) والتي حلت غصباً، لتنوب بدلاً عن المسرحية الأصل المنتظرة (وسطي بلا وسطية)، ولتخرج لنا مسرحة ولا في الخيال، بدءاً بمكان العرض الأسطوري، شهد مسرح كلية (اليمامة) حشداً هائلاً لها من كل شرائح المجتمع، ونحن الذين نفتقر إلى أبسط مقومات المسرح، فحضر ممثلون نعرفهم بالوجه والاسم والفعل في كل المواسم الثقافية، هم ذهنية واحدة ممن كان منهم على المنبر ومن كان منهم بين صفوف الجمهور. ماذا يعني أن يستجيب مثقف يصنف في خانة الفكر، ليتناغم مع صوت معارض له يصدر من القاعة، فيعطي هذا الصوت حضوره ويجاريه في التناغم؟! وينسى كل من حوله ويمينه ويساره، وكأن ليس في القاعة غير هذين الصوتين. وقد تناسى مفكرنا الكبير أنه يمثل الوجه الآخر لهذا الصوت، ويحمل ذات التربة القابلة للتشكُّل والشهوة إلى اللمعان والبروز. أليست هذه أولى وجوه مصادرة حق الآخرين المشاركة والوعي والفهم والحوار والسؤال؟ وحضرت وجوه لا نعرفها في المشهد الثقافي، حضر الجند والخوف والجوع والمجانين والرصاص والأحذية، وتكسير كل إكسسوارات المسرح الذي نظن وننعم عليه تدلساً بالأحلام، فأي مسرح في غياب المرأة لدينا، ما لم تكن كالمسمار الأول في خشيته. فهل نسمي ما لدينا بكل أسف (مسرح)؟، ولا تعجبوا فنحن في سياق الحالة المزدوجة، لنا لحياتنا لتفكيرنا المزدوج المبلي بالإزدواجية غصباً عنا، فنحن نندب الفنون مختلفة في شكل مشوه، لتنوب عن خطاب آخر، نعجز أن نعلنه ونقوله ونناقشه بحرية. ولمحة على كثير من الأجناس الأدبية والفنية، دون تجريد الفن من رسالته، نعرف كيف هي الحمولة الثقيلة، وما هي إشكاليات انسداد منافذ الحوار وماهيتها! المرأة التي جعلناها قضية، رأت لحظتها كل سوءاتنا وتفاهتنا ووعت المشهد برمته. أجزم أن أخواتنا اللواتي شهدن المسرحية سيئة الذكر قد أدركن إلى أي حد هذه القضية، مشجب لويلات تنسد بها سبل الحوار وإليها.
ماذا يعني أن يهادن شعراء في قيمة محمد العلي وعلي الدميمي الإبداعية، طقس مدينة الرياض البارد، ويستمتعان بأكواب الشاي داخل سيارتهما، لأن هناك من لا يريد أن يستمع للشعر، ولا لغيره أن يستمتع بما يسمع. وأشهد الله أن في الصف الذي خلفي وحولنا أسماء ثقافية معروفة، تعرضنا لأذية متناهية أفسدت الجو الشعري، فغير الحديث بينهم ومناداتنا بأسمائنا الصريحة، فإذا التفت إلى الصوت وهم قد أوهموك، وجدت من يسبح أو يحادث جاره ويداعبه. فلماذا جاء هؤلاء، وماذا يعني أن نشوه وجه أي أمل، ننتظره بفعل ثقافي ينقذنا مما نحن فيه؟
أنجزنا في مسيرة حسبناها ألف عام، تشكيل مجالس الأندية الأدبية بالتعيين، وخرجت إلى العلن قوائم أعضاء مجالس الأندية الأدبية في المملكة تباعاً، ورأينا كيف كانت مبادرة الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين هي حجر الأساس المهم في سلسلة هذه التغييرات. فطالما حلم بها المثقف بعد ركود طال المشهد الثقافي سنوات، وبلغ اليأس منتهاه في إتاحة الفرصة للدماء الجديدة، إمكانية الاستفادة من معطى جديد، وقد استنفد هذا الجيل كل الزمن وكل الفرصة المتاحة.
أقول كانت استقالة أبو مدين حجر أساس، لتكر من بعده رؤوس لم تكن تملك الشجاعة، لتتنازل بشرف وبعضهم ظن أن الأندية الأدبية حق خاص وتكايا لهم ومحسوبية ووجاهة اجتماعية. لكن أبو مدين وللحق كان نموذجاً حققياً للقيادي المثقف، وكان نادي جدة واجهة حضارية يقتفي آثرها الآخرون. ولا يمكن لأي منصف أن ينسى، أو يتنكر لمبادرة د. محمد الربيع رئيس نادي الرياض المكلف، وقد رفض تجديد مرحلته في النادي، ليبقى في الوجاهة، مرحلة أخرى.
أقول خرجت إلى العلن قوائم أعضاء مجالس الأندية الأدبية تباعاً، ومن يعرف خبايا المشهد الثقافي يتوقع أن تحدث بعض تلك الإشكاليات في عملية التجديد المنتظرة، وبقي هناك تفاؤل ببعض الأسماء تسنمت القيادة في الأندية الأدبية كأسماء ثقافية ولها حضور ملموس في الحراك الثقافي، وأقصد هنا محمد زايد وعبدالرحمن الدرعان، وجبير المليحان دون التقليل من قيمة وعطاء منتظر من أسماء أخرى في كل نادٍ في المناطق الأخرى!
ويبقى السؤال لمن يعرفون خبايا المشهد بالذات في المنطقة الجنوبية، لماذا تمت التوازنات القبلية في أبها والباحة بعد تداخلات عدة أجلت قائمتي هذين الناديين إلى النهاية، هل نعيش في أزمة؟
إنني أسأل وببراءة، ماذا يحدث لو سمح للمثقف اللامع في منطقة الباحة د. علي الرباعي، إقامة ملتقى بصالونه الأدبي، وقد سعى إلى منعه ومعه بعض المنتديات الأخرى في مدن المملكة، ونحن الذين صباحا ومساء ندعو إلى الحوار ونقبل الرأي الآخر؟ ماذا يحدث بعد إبعاده عن خارطة الشأن الأدبي في المنطقة، لئلا يسحب البساط من تحت أقدامهم، أقول ماذا لو نفذ الرباعي حقاً له، مثله مثل أي مثقف آخر في مناطق المملكة، يقيم أمسيات أدبية في صالونه، هل سنجد أحداً يذهب إلى النادي؟ الجواب معروف - طبعاً. وطبعاً هذه الرؤية، يعرف خلفيتها المثقف في الجنوب، ويعرف أن التشكيلات في الباحة وأبها، لم تستطع أن تخفى تلك التوازنات القبلية. وهذه مصيبة أخرى ليست في البال، ويدرك بعدها من يقرأ الأسماء المرشحة في هذين الناديين.
أسئلة كثيرة، يطرحها المشهد الثقافي على وكالتي وزارة الثقافة، فالشخصية التي عاشها المشهد الثقافي طيلة عقود لابد أن تختفي وتنتهي مظاهرها، ويبدو فعلاً أن وكالة الوزارة للشؤون الثقافية الدولية، بحاجة شديدة إلى أسئلة مباشرة وكثيرة، أهمها سؤال حول (الشخصنة)، والانتقائية التي يتم على ضوئها اختيار الوفود الثقافية، لتمثل وجهنا الثقافي خارج الحدود.
ونحن نتابع بصمت خيارات د. باقادر بدءاً من الأسماء والمواضيع التي يتنقل بها من مدينة إلى أخرى، فكان عليه أن يهادن قليلاً، ليعرف أن بيننا وبين فن السينما مسافات ضوئية، كما هي بيننا وبين ثقافية الصحراء التي يريد أن يكبلنا بها مرة أخرى! ويبدو أن للموضوع نقاطاً مهمة يستحق عودة إليه مرة أخرى!
aldw17y1000@yahoo.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|