استراحة داخل صومعة الفكر(2/2) سعد البواردي
|
على دروب الشمس
محمد هاشم رشيد
142 صفحة من القطع المتوسط
"الجناح المهيض" احدى محطات مسيرتنا الشعرية مع شاعرنا الموهوب محمد هاشم رشيد:
"أطلت وفي ناظريها نداء
نداء يجلجل في أضلعي
وذل توشحه الكبرياء
وترويه بالأمل الممرع
ومدَّت إليَّ يدا تنطوي
على لقمة عفرتها الرياح
وفي هدبها رعشة لم تزل
تخط بصدري طريق الجراح"
ويأخذ الحماس الحزين شاعرنا ليستفز به الى درجة من الخيال الشاطح في رومانسيته من الصعب الأخذ به:
"وخاضت صحارى بموت الهجير
صريعا، بأنفاسها اللاهبة
بأحداقها أمل مميت
وفي قلبها ثورة صاخبة"
ويخاطبها ببيتيه الأخيرين.. وملؤهما الاعتذار.. والاعتراف:
"أيا اخت عفوك لا تعجبيني
إذا ما بكيت.! فنحن الجناه"
"زهرة" نبته احبها.. رعاها.. شبت على يديه.. ثم شابت على قلبه رغما عن انفه بعد ان قطف ثمارها غيره..
"يا زهرة كنت تعهدتها
في ناضر من غصنها الأملد
غنيتها شعري، وأرديتها
حبي، ونجوى طرفي المسهد
حتى إذا اكمامها فتحت
وأوشكت تجتنيها يدي"
الشطر الأخير مهتز البناء.. يمكن تثبيته لو جاء على النسق التالي:
"وأوشكت تجني ثمارا يدي"
والسؤال.. هل امكن لشاعرنا حصاد ما زرع..؟ هذا ما سيعرفنا عليه:
"عاجلها في غفلة طائر وعاد في المنقار حلم الغد"
بهذه النهاية المأساوية نذكر شاعرنا بالمقولة التي تقول: "خُلقت لك ورُزقت لغيرك" استدرك خطأ فاتتني الاشارة اليه في آخر شطر من قصيدته لقد أورده على النحو التالي:
"وعاد في المنقار حلم الغد".. والأقرب الى الصحة "وضاع في المنقار حلم الغد".. مجرد رأي.
الحياة حلم.. وواقع.. ترى بماذا حلم شاعرنا في حياته، ولحياته؟!
" يا حياة يحوطها الأمل العذب
وتهفو لها على الغيب نفسي
حُلُمٌ أنت عشته زمنا طال
وما فزت من رؤاه بلمس
كلما قلت قد دنا طيفك الوادع
مني.. يمحو كآبة نفسي..!
فرَّ، حتى خشيت أن لستُ القاه
كما كنتُ في عوالم حسي"
صورة بانورامية قزحية الالوان شهية المذاق ابدع فيها شاعرنا مضمونا وإطارا.. وفي ادلاجنا معه نعبر عدة محطات "صبر" والخيوط السوداء خشية ان نقع في شراكها.. ونترك للشاعر ذكرياته في ارز لبنان.. ومقهى جارة الوادي ومعالم بعلبك بعد ان غطاها دخان لهيب حرب مجنونة انتهت على أمل ان لا تعود.. نستعيض عنها بالماء والزهر حيث يدري، ولا يدري!!
"وقفت تميل الطرف معجبة بالماء منحدرا على الصخر
ووقفت أعجب، إنما عجبي بالحسن في اجزائها يجري
قالت: ترى للماء؟ قلت: أرى، لا بل اراني عنه لا أدري
أنا منك في شغل، فإن صُرفت عيناي عنه فإن لي عذري
لقد اختار زهرة الماء على الماء.. الزهرة هنا روح الجمال، انفاس الربيع، وابتسامة الحياة.. مقطوعة جديدة اسمها "وللشعر حوار" اي حوار يعني..؟
"يا حبذا الاغصن اللاتي مررن بنا
في موكب كله سحرٌ، وإغراء
شُدت اليه عيون القوم وانطلقت
بواعث من امانيهم.. وأهواء
رنا اليَّ وفي عينيه ضاحكة
من الفنون اطلت.. وهي عذراء
وكان مني على بعد فقربه
ما قرَّب الذئبُ إذ لاحت له الشاء"
عملية لا تحتاج الى جراحة.. وإنما بعض كبسولات دواء كافية لازالة صداع شطره الذي يقول: رنا اليَّ وفي عينيه ضاحكة" كبسولة واحدة تكفي ليستقيم البيت ويكتمل المعنى: "رنا الي وفي عينيه ضحكتها" هذا كل ما في الأمر.
بوابته الخامسة تتحدث عن الشجن.. والشجن لديه عميق الجذور وبالذات عندما يتحدث عن الدهر وقد رماه بألوان العذاب وكسا دربه بالاشواك، وكي لا نضاعف من ذكريات حزنه نشخص واياه بأبصارنا متطلعين الى "النجمة الحائرة":
"انظر لها ذاهلة الخاطر
حائرة ترنو إلى حائر
واجمة تحسبها دمعة
قد جُمدت في محجر ساهر"
إنه لا يكتفي بالنظر.. وإنما بالمخاطبة:
"يا نجمة ازرى بأترابها
جمال ذاك الافق الباهر
شقيت بالحسن، وكم نعمة
فيها شقاء القلب الخاطر"
حسنا لو ابدل الخاطر بالناظر.. الخاطر وعاء داخلي.. اما الناظر فإنه نافذة الرؤية الموصلة الى الداخل الأكثر تأثرا..
ومع الشرود الذي يلف صاحبنا بعباءته.. لماذا؟
"يا شرودا يلفني ان تحدثت
وان جلت في الكتاب بعيني"
حتى الالفاظ تخرج مثقله مستعصية عليه:
"وتفر الالفاظ من فيَّ لم اقصد
إليها.. بل غيرها كنت اعني
وتمر اللحون في ذلك التحية
فلا استبين اية لحن"..
وتبقى "الصورة للذكرى" نهاية المطاف مع شاعرنا محمد هاشم رشيد كختام مسك انتشينا برائحته عبر سطور شعر ديوانه على دروب الشمس"
"نحيا الصورة عني.. واحجباها
حسب نفسي يوم ولى! ما دهاها؟
لاتقولا ملها الطرف! والا
فلماذا يبتغي ان لا يراها؟"
إلى ان يقول.. وهو يتمثل صورة والده، وذكريات حياته معه:
"والدي ذكرك نار تتلظى
آه.. ما أقسى على القلب لظاها
كلما رمتك سلوا عنك هاجت
وانبرى يعصف بالروح اساها"
يا شاعرنا المتوهج شعرا.. وشعورا.. كنت خير رفيق رحلة.. وهل مثل رحلات الشعر والشاعر رحلة؟!
+++++++++++++++++++++++++++
* الرياض: ص.ب. 231185 / الرمز 11321
فاكس: 2053338
+++++++++++++++++++++++++++
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|