|
أصدقاء الإعلام والثقافة
|
سيُسَرُّ الصّدِيق "سيف الدين الدسوقي" الشاعر والإعلامي السوداني المعروف، حين يعلم أن "مجلس الشورى" وافق مؤخراً على اتفاقية عامة للتعاون بين المملكة والسودان، وسيُسَرُّ أكثر حين يعلم أن الاتفاقية خصّت الجانب الثقافي والإعلامي السوداني والسعودي بِفَقْرة منها، تنص على "تشجيع التعاون في المجالات الإعلامية، المرئية والمسموعة والمطبوعة، من خلال تبادل الزيارات والخبرات بين المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة، في المجالات البرامجية والتقنية، وتبادل المواد السمعية والبصرية والمطبوعة، والمشاركة في المهرجانات ذات العلاقة "وسيُسَرُّ أيضاً إذا عرف أنّ هذه الاتفاقية أول اتفاقية تحمل وميضَ ثقافة وإعلام، بين المملكة والسودان، يوافق عليها مجلس الشورى بعد أن تحوّل مُسمى وزارة الإعلام إلى مُسمّى "وزارة الثقافة والإعلام" وسيُسَرُّ أخيراً إذا قلت له ولكل الأشقاء السودانيين: إن المجلس وافق على هذه الاتفاقية بأغلبية كبيرة.
ماذا تعني هذه الاتفاقية في الجانب الثقافي والإعلامي على وجه التحديد؟
أليْسَتْ هناك رغبة من المُجْتَمَعَيْن، في توثيق أواصر الصداقة الأخوية بينهما؟ ألا تحمل الاتفاقية تدعيما لروابط تاريخية بين الشعبين الشقيقين؟ ألا تسعى الاتفاقية لتطوير التعاون بين البلدين في مجالات جمّة؟ أعتقد أنّ الإجابة ستكون: بَلَى.
ولكن لماذا بَلَى؟ لأن الثقافة ليست ثرثرة ولكنها تربية، وهي أول حاجة كما قيل للشُّعوب، وتربية الثقافة عند المرء تبدأ منذ الصغر، وذلك بتربية أمها "الإعلام" الذي هو بحاجة إلى نماذج أكثر مِنْ حاجته إلى نُقّاد، ولأنَّه يُطَوِّر المواهب، ويُعلِّم القوة، ويكون ابنا غير عاق إذا أحسنت تربيته، والناس في حاجة دَوْما إلى إعلام يثقُ بنفسه، ليقيَهُم شرّ ما عَثَرُوا، وثقافة نتقي بها قُبح الأشياء.
قلتُ ذات ساعة للصديق "سيف الدين الدسوقي" وقد رأيتُه يرتدي الزِّي السوداني وتعلو رأسَهُ العِمامةُ البيضاء: أنت يا سيْف واثقٌ من نفسك كثيراً فردّ عليّ بلهجة سودانية وبسرعة "ما توديناش في داهية يا بدر" وهو مُحِقٌّ في ذلك، فلقد كان الموقف ساعتها يودي بالفعل في "داهية".
تربطني بصفوة من الإعلاميين والمثقفين السودانيين علاقات مُتجذِّرة. أحببتُ صوت أول إذاعي سوداني التقطتهُ أُذُناي "الطيِّب صالح" من إذاعة لندن، وقرأتُ له "عُرس الزّين" و"الطُّيور المهاجِرة" وتعرفتُ على "سيف الدين الدسوقي" و"محمد خوجلي صالحين" رحمه الله ومِنْ بَعْد حمدي بدر الدِّين، وعلي شُمُّو، وأمضينا معاً ليلة على ضفاف "النيل الأبيض" بعضهم يقول شِعْراً وأنا أسمعُ وأردِّد، ثم نصدر آهاتٍ وزفراتٍ كلما مررنا بكلمات لا يَكْثُرُ نفعُها، وساد صمتٌ حين ردّد أحدهم:
كأنّ وميض البرق رام تعلُّمَا
لمعْنىً يزينُ الثّغْرَ إذا يَتَبَسّمُ
وخَافَ من النِّسيانِ صار يُعيدُهُ.
مِرَارَاً وهذا شأنُ مَنْ يتعلَّمُ
هذا هو الإعلام والثقافة جمع الصالِحَيْن "الطيِّب صالح ومحمد خوجلي صالحين" وبينهما "سيْف" لا نُجَرِّدُه من غِمْده لنكتسب به مالاً، مع أنه "زينة الحياة الدنيا" بل كان يتعيّن علينا أن نتيقّن، بأن مال أحدِنا ما قَدّم، وأنْ ليس لنا منه إلا ما أكلنا فأفنينا، أو لبسنا فأبلينا، أو تصدّقنا فأبقينا. نعم هؤلاء هم أصدقاء الإعلام والثقافة.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
