ما من شاعر عربي طليعي إلا مّر بتجربة النفي ندوة الشعر العراقي في المنفى (2/2) إشكالية النفي في الشعر العربي الحديث.. ظلّت بهوية عراقية واضحة متابعة: تركي إبراهيم الماضي
|
ضيوف الندوة:
د. عبدالله المعيقل
عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الملك سعود
د. عبدالله الفيفي
عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الملك سعود
أدار الندوة:
أ.د. سعد البازعي
تحدث ضيوف الندوة في الحلقة الماضية عن إشكالية النفي في الثقافة العربية، ويتواصل الحوار باستعراض نماذج شعرية عربية منفية، مع قراءة مستفيضة لواقع الشعر العراقي في المنفى.
أيضاً من السمات الأخرى استخدام الأساطير، فشعر المنفى ربما ساهم في دخول الاسطورة أو الرمز عندنا السياب أشاع أسطورة سندباد نعرف أن سندباد هو التاجر المغامر الذي يذهب ثم يعود لكن السندباد عند السياب رجل لا يعود وحول هذه الاسطورة لكي تتمشى مع نفيه ومع مرضه ومع كونه بعيداً عن الوطن وهناك قصائد كثيرة منها.
رحل النهار فلترحلي قصيدة يوجهها لزوجته يقول لها ان سندباد أسرته آلهة البحار ولن يعود الذي لاحظته أنا أيضاً ان النفي يجتمع مع الشيخوخة يجتمع أحيانا مع المرض أحيانا يجتمع مع الفقر تكون القصيدة فعلا وخاصة قصيدة مثل قصيدة البارودي:
أين أيام لذتي وشبابي
أتراها تعود
يتحدث عن كونه لم يعد يسمع جيداً لا يرى هذه الاشياء يجب أن تؤخذ في الحسبان عند دراسة قصيدة المنفى أن الشاعر المنفي أحياناً يمر بحالة من العوز والفقر وبالتالي لابد أن ننظر للقصيدة من خلال هذه العوامل المشتركة.
قصيدة النفي أيضاً فيها حنين إلى البلد إلى المدينة مثلاً بغداد أخذت حيزا كبيراً في قصائد العراقيين ينادونها وتناديهم فهذا النداء أيضاً من سمات شعر النفي.
د. البازعي: اعتقد ان هذه الصورة شاملة إلى حد ما وهذه العلامات التي وضعها الاخوة حول شعر النفي بشكل عام.
الدكتور الفيفي تحدث عن الشاعر الجواهري بشكل خاصة الدكتور المعيقل تحدث عن الشعر العربي بشكل عام.
في وقفات سريعة وقصيرة ويمكننا الآن أن نتحدث بشكل أكثر تحديداً عن الشعر العراقي لعلنا نستعرض بعض النماذج الشعرية يا دكتور عبدالله اذا أحببت من شعر الجواهري حول هذا الموضوع.
نماذج شعرية
د. الفيفي: كنت قد تحدثت عن العوامل التي تجعل الشعر الجواهري تأثيره في المتلقى ووقفت عند النقطة الرابعة التي أجدها عاملاً مهماً في تركيب النص لدى الجواهري لأنه يستطيع أن يقيم معادلة استطاع أن يقيمها من قبل المتنبي وهي مخاطبة النفس والذهن في آن معاً بحيث يتلقى الإنسان النص بكل ملكاته وليس تلقياً ذهنياً يبتعد عن طبيعة الشعر ولا تلقياً أيضا يبتعد عن الذهن.
سآخذ نموذجا دالا من وجهة نظري على طبيعة هذا التركيب الذي تنساق فيه القصيدة في شكل رسالة هذا النموذج هو نموذج مباشر ولكنه دال يمكن أن نسترشد به على كيفية تشكيل القصيدة لدى الجواهري وهو نموذج في ثلاثة أبيات كتبها يقول إلى أخي سعيد في عام 1967م يقول:
سعيد وأنت الخل عز بديله عليَّ
إذا عضت خطوب يعول
تقبل ثنائي لا عدمتك إنه
ثناء امرئٍ صديق يقول ويفعل
سأجزيك خيراً عن وداد محضته
من الصفو أصفى أو من الفضل أفضل
هذا النموذج لم أشر إليه على روعته الشعرية في تجربة الجواهري لكنني أقول ان هذه الابيات مع انها من الشعر الاخواني وهي مباشرة ومرتجله إلا أنها تحمل في طبيعتها التلقائية هذه نموذجاً دالاً على كيفية تشكل النص الشعري الجواهري لاسيما أنه في سائر شعره لا يكتب شعره على الغالب وإنما يقوله كأنما هو يستحضره ذهنياً ثم يكتبه فلو قارنا هذا النص وهو في نظري الشكل الغالب في قصيدة الجواهري بنص آخر ترجمه عن الفرنسية لوجدنا اختلافاً ظاهراً هنا نص بعنوان لا تزعه نجد فيه التركيب اللغوي يختلف تقديم وتأخير في المفردات تنويع في القوافي:
لا تدعه على أعز صديق وعلى الضرس
لا تخط الحروف وبرمل الغاب الندى الرقيق
إذ سنا الشمس يستطير رفيفا
ويناغي أدواحه والحفيفا
لا تخططه عبر الطريق ... ألخ
هذا نص مترجم يبين كيف أنه يخرج عن طبيعة شعر الجواهري. أيضاً يتعلق ومركب القصيدة في شعر الجواهري في أنه يبدأ القصيدة هادئاً ثم يتصاعد إلقاؤه وتركيبه مع النص ويحتدم إذا أخذنا قصيدة أخرى بعنوان يافا الجميلة وهي تعبر بالاضافة إلى اغتراب الشاعر عن اغتراب الوطن أيضا وهو هنا فلسطين:
يافا يوم حط بها الركاب
تمطر عارضي ودجا سحاب
ولف الغابه الحسناء ليل
مريب الخطو ليس به شهاب
وأوسعها الرذاذ السح لثما
ففيها من تحرشه اضطراب
ستبدأ في تلقي صورة تتدرج من وصوله إلى المطار في يافا والاجواء من حوله حتى يتصاعد مع النصر حتى يصل إلى قوله:
ولما طبق الأرج الثنايا
وفتح من جنان الخلد باب
ولاح الود منبسطا عليه
من الزهرات يانعة خضاب
نظرت بمقلة غطا عليها
من الدمع الظليل بها حجاب
ثقوا أنا توحدنا هموم مشاركة
ويجمعنا مصاب
ستلاحظ في هذا الجزء الأخير حتى الكلمات والاصوات والحروف صارت تميل إلى تلك الأصوات العنيفة القاف الطاء الضاد بينما في صدر النصر جاء على هذه الكيفية كأنما هي بحر ساج ثم يحتدم تياره شيئا فشيئاً هذا ايضا ما يمنح مركب النص الكلي للقصيدة تأثيرها على المتلقي وخصوصاً حينما تأتي بإلقاء الشاعر.
واقع الشعر العراقي
د. البازعي: أود أن اسهم قليلاً في هذا اللقاء بالاشارة إلى بعض النماذج الشعرية لشعراء عراقيين آخرين عانوا من النفي ذكرنا أسماءهم قبل قليل في الواقع ان السؤال الذي يحتدم في ذهني الآن لماذا الحديث عن النفي في هذا الوقت والشعر العراقي تحديدا الموضوع لا أعتقد أنه يحتاج إلى تبرير كثير نحن نعيش ظروفاً صعبة هذه الايام وقلوبنا مع العراق وأهل العراق وشعراء العراق وتراب العراق أملنا أن يحفظ الله هذا البلد وسائر البلاد العربية والإسلامية.
والحديث عن واقع الشعراء العراقيين في المنفى هو حديث عن جوهر المعاناة ووجوه المعاناة التي عاشها العراق وما زال منذ سنوات طويلة ومنذ فترة ليست بالعقود بل ربما أكثر من ذلك فقد ارتبطت المعاناة بالعراق والنفي أحد وجوه هذه المعاناة.
شخصياً أعرف بعض الشعر العراقي وعشت معه وكتبت عنه وليس الجواهري تحديدا ولكن بما أن الدكتور عبدالله تحدث عن الجواهري سأنقل حديثي إلى شاعر عراقي آخر ينتمي إلى مرحلة مختلفة ويمثل أيضا وجها آخر من وجوه معاناة النفي في الشعر العراقي والعربي الحديث هو سعدي يوسف.
سعدي يوسف من الأسماء الكبيرة وممن في شعره تختصر مراحل الشعر العربي الحديث ربما أكثر من أي شاعر عربي حديث من الشعراء الكبار، سعدي يوسف يعني أمامي قصيدة تحمل هذا الهم هم النفي في السجن وخارج العراق وفي البلد الذي نفي إليها مرة رابعة وهكذا.
في قصيدة استوقفتني في أحد الأيام لكن لأسباب أخرى لكن أستعيدها الآن يقول:
في أول أيارا دخلت السجن الرسميا
وسجلني الضباط الفلكيون شيوعياً
حوكمت كما يلزم في تلك الأيام
وكان قميصي أسود ذا ربطه عنق صفراء
خرجت من القاعة تتبعني صفعات الحراس وسخرية الحاكم لي امرأة أعشقها وكتاب من ورق مخملي قرأت به الأسماء الأولى :
شاهدت مراكز توقيف يملؤها القمل
وأخرى يملؤها الرمل
وأخرى يملؤها الرمل
وأخرى فارغة إلا من وجهي
يوم انتهينا إلى السجن الذي ماانتهى
وصيت نفسي وقلت المنتهى ما انتهى
يا واصل الأهل خبرهم وقل ما انتهى
الليله بتنا هنا والصبح في بغداد
هذه قصيدة تغنيها فرقة عراقية اسمها فرقة الطريق ويؤدون هذا المقطع بالذات باللهجة العامية والعربية فهو يقرأ أيضاً بالعامية وأعتقد أن الشاعر استطاع أن يركب هذا البيت بشكل جميل فهو يقول:
يوم انتهينا إلى السجن الذي ما انتهى
فهي بعراقية قوية تأتي ويأتي أيضا مقطع آخر فيه أيضا معاناة مرضية أيضاً هذه اللازمة في آخر القصيدة مقطع يمس قضية النفي لأنه يخاطب نفسه في القصيدة ويشير هنا إلى تعدد المنافي في شعره فيقول:
أو من تطوع في مدريد
أما قاتلت وراء متاريس الثورة
في بوتروجراد
ألم تقتل في إضراب النفط
أما شاهدتك بين البردي تعبئ رشاشا
أو لم ترفع للكومنية رايتها الحمراء
أما كنت منظم جيش الشعب في سومطره
خذ بيدي فالجدران الستة قد تطبق بين اللحظة والأخرى
خذ بيدي
ثم ينتهي إلى مقطع يشبه المقطع الذي يكرر في القصيدة يقول:
ياجار آمنت بالنجم الغريب الدار
يا جار نادت ليالي العمر أنت الدار
ياما ارتحلنا وظل القلب صوب الدار
يا جار لا تبتعد دربي على بغداد
تلاحظون انه استخدم نظام الشعر الذي يعرف بالمروبه في الشعر الشعبي لثلاث قواف متكررة ثم القافية الأخيرة تختلف وهذا طبعاً فيه مزج بين الشعبي والفصيح بشكل مدهش لكنها تقرأ على الوجهين. طبعاً قصائد سعدي يوسف في هذا الموضوع لا تنتهي وأكثرها شهير ولا يحتاج إلى أن نكرره هنا لكن أعتقد أن المجال سيتسع لتذكر بعض القصائد الأخرى هناك قصيدة أخرى له عنوانها عن المسألة كلها. هذه كتبت عام 1972م مقطعها موزون مقفى ثم تتحول إلى تفعيله يقول:
سموت فردتني سماء خفيضة
وعدت فما أشقى المعاد أو ما أبهى
إذا ورد السذاج خلساً "خمساً"
وجدتني أرى الحق محض الحق
أن ارد الرفعا
وتلك عيون بالرميلة أوقدت
هي المنتأى والدار والمأمل الأشهى
هذه لمحات صغيرة من بعض ما لدى سعدي يوسف وأود أن أنقل الحديث الآن إلى الدكتور عبدالله المعيقل ليضيف إلى ما ذكره حول الشعر العراقي في المنفى.
نماذج أخرى
د. المعيقل: هذا جزء من قصدة ينادي فيها بلاده يقول:
يابلادي التي لست فيها يا بلادي البعيدة
حيث تبكي السماء حيث تبكي النساء حيث لا يقرأ الناس إلا جريدة
يا بلادي التي لست فيها يا بلادي الطريدة
ليس لي منك إلا صراع المسافر
غاية مزقتها الحناجر والنجوم الشريدة
الجزء الأول ص 348 المجموعة الجديدة كنت أقول إن الجواهري ربما أكثر الشعراء غضباً والتزاما في شعره ولأنه عاش عمراً طويلا دون تنقل في مكان وعاصر الكثير.
لكن ما هو سبب أن الكثير من الشعراء العراقيين شعراء منفى أظن أن العراق سياسياً مرَّ بتقلبات سياسية كثيرة أكثر من أي بلد عربي هناك ثورات هناك نوري السعيد هناك الإنجليز سابقاً ثم البعث وربما الجو العراقي له سبب في ما نراه من كثرة شعراء المنفى حرية التعبير لم تكن بالشكل الذي نجده في مصر مثلاً أو في مكان آخر كان هناك صرامة في الانتماءات ولا بد للشاعر أن يعبر عن هذا الانتماء.
تحدث الدكتور عبدالله عن الجواهري وعن الشعر المنبري في الواقع هناك فترة والشعر المنبري أصبح مهما وساهم بذلك المهرجانات العربية هناك مهرجان الشعر الأول أعتقد في دمشق ثم المربد ثم هذه المهرجانات ساهمت في شيوع الشعر المنبري بالاضافة إلى قضية الالتزام التي شاعت في الستينيات أفكار الثورة المصرية قضية فلسطين كل هذه ساهمت في الشعر المنبري.
وأنا في الحقيقة شاعري المفضل بالنسبة للمنفى هو عبدالوهاب البياتي مع تقديري للدكتور سعد، فأعتبره شاعر المنفى الأول بلا منازع بالنسبة لي وكما ذكرت لم أكتب دراسة مطولة عن شاعر بذاته ولكني كتبت بعض الأشياء عن كل شاعر
البياتي ديوانه وهو جزآن يبدأ بالإهداء يقول:
إلى زوجتي التي حملت معي الألم من منفى إلى منفى. في ديوانه الثالث "المجد" المجد للأطفال والزيتون توجد قصائد بهذا العنوان "المنفى" هناك ديوان أعتقد اسمه "أشعار في المنفى".
كلمة المنفى تتكرر كثيراً في شعره ومن خلال سفر البياتي من مكان إلى آخر وقد سافر إلى كل بلاد العالم نجد أن شعره يحفل بسمة ليست موجودة عند الشعراء الآخرين هي الموضوعات العالمية وحديثه عن الأماكن التي زارها وعن الأدباء الذين يعرفهم أو تربطه بهم علاقة مثل ناظم حكمت أو غيره من الشعراء وهناك أشخاص في قصائده كانوا يشاركونه تجربة المنفى أو تجربة الفكر اليساري. هناك إحساس بأن شعر البياتي متعارض وأنا أظن أن المنفى أتاح للبياتي تجربة فريدة فلولا المنفى ربما ما رأينا شعره بهذا الثراء المتنوع. وهو أيضا من الذين شعرت أنه لم يغير مواقفه ولا أدري إن كنت مصيبا في هذا ولكن هذا ظني لأني لم أقرأ البياتي قراءه أخرى متفحصة شاملة لأن دواوينه كثيرة جداً وتعرفون قصيدته المشهورة (سوق القرية) هذه التي بدأ فيها توجهه إلى معاناة الشعب
الشمس والحمر الهزيلة والذباب
وحذاء جندي قديم
يتداول الأيدي
وفلاح يحدق في الفراغ
في مطلع العام الجديد يداي تمتلئان
حتما بالنقود وسأشتري هذا الحذاء
وإذا قلنا إنه منذ أن بدأ يتوجه بشعره لهؤلاء الناس منذ أن بدأ بالعراق وهو يتوجه لهؤلاء الناس المعدمين.
وأنا أقول: موقفه لا يتغير لأن له قصيدة يهاجم فيها فكرة الفن للفن يقول:
سأدوس بقدمي دعاة الفن والمتحذلقين
وعجائز الشعراء والمتسولين
وأحطم الأشعار فوق رؤوسهم
حلمت أني هارب طريد
في غابة في وطن بعيد
د. البازعي: إضافة أخيرة يا دكتور عبدالله في خمس دقائق
شاعر ثائر
د. الفيفي: في الحقيقة أنا لم أَمِل لموضوع الحديث في المنفى ولكن عن تأثيره في الشعر حتى حينما أقول إن الجواهري ثائر في كلماته وفي نصه وفي بناء النص هذه الثورة هي ثورة على الواقع الذي يعيشه وإحساسه بعدم الرضا عن هذا المجتمع. ايضا هذه العناصر النصية هي التي تعكس روح الثورة وليس بالضرورة أن نجد القصيدة بعنوان النفي أو يذكر كلمة المنفى أما هذه لو أردنا أن نتابعها فسنغرق في بحر لجي لا قاع له. إذا أخذنا فقط عناوين القصائد: دليل الغربة يا دجلة الخير بين النجف ونيويورك أطفال وأطفال العالم أخي عفر يا غريب الدار يا موطن الأبطال عند الوداع..
فهذه كلها عناوين لنصوص من مجموعة مبكرة تحمل هذا الموضوع لكن. الخاصية التي نجدها متفشية في شعره تتجاوز مجرد العناوين ومجرد الموضوعات وقصيدته المشهورة إذا أخذناها نموذجاً مشهوراً على الشعور بالاغتراب والحنين إلى الوطن.
حييت سفحك من بعد فحييني
يا دجلة الخير يا أم البساتين
حييت سفحك ظمآنا ألوذ به
ليل الحمائم بين الماء والطين
يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه
على الكراهة بين الحين والحين
إني وردت عيون الماء صافية
نبعاً فنبعاً فما كانت لترويني
وأنت ياقارباً تُلوي الرياح به
لي النسائم أطراف الأفانين
والقصيدة طويلة يكرر فيها هذا الحنين إلى وطنه العراق حتى يقول:
يا دجلة الخير أدري بالذي طفحت
به مجاريك من فوق ومن ظلم
أدري على أي قيثار قد انفجرت
أنغامك السمر عن أنات محزون
أدري بأتك من ألف مضت هدراً
للآن تهزين من حكم السلاطين.
وهذا البيت يجيب على السؤال لماذا نجد الإلاغتراب والهجرة مسيطرة على الشعر العراقي ونحن نتحدث هنا فقط عن أولئك الذي خرجوا عن العراق؟ هذه الندوة انصبت على نماذج ممن كان لهم موقف دعاهم إلى النفي الطوعي أو الاكراهي، لكن حتى الشعراء المقيمين الآن لو قرأنا شعرهم فسنجد هذه الروح التي تسرى في شعرهم وهناك نماذج كثيرة جداً هنا قصيدة تقول:
دبت عليك زواحف الأعوام
وبرئت من جرحٍ وجرحى دامي
وبرئت من هزأ الحياة ببعضها
وتضاحك الأيام بالأيام
عشرون طالت حيث مرت قبلها
خمسون وهي قصيرة الأرقام
يمتزج هناك الاغتراب الوجودي الذي يتعلق به وبعمره وبتجربته الشخصية بتجربة الاغتراب والهجرة عن الوطن كما رأينا ذلك في النص الأول المتعلق بدجلة وبالعراق وهذه إشارات عابرة عن هذا الموضوع.
الشعر خارج إطار المنفى
د. البازعي: شكراً دكتور عبدالله. أعتقد أن الدكتور عبدالله أشار الى نقطة مهمة سبق أن لمح إليها في حديث سابق.
النقطة هي ان الشعر العراقي في المنفى ليس كله عن المنفى هو شعر بعضه يتوجه إلى هذه الاشكالية ويثيرها لكن الشاعر يعيش حياة طبيعية في نهاية الأمر ومن قصائده ما لا يتصل بهذا الموضوع مباشرة وممكن الحديث عن نماذج كثيرة من شعر الجواهري البياتي الحيدري أو سعدي يوسف أو شعراء آخرين أحدث سناً وأنا أذكر قصيدته بائعة السمك من القصائد المشهورة التي كتبها في تشيلوسكوفاكيا طبعاً كثير هذا النوع لكن أنا أتوجه إلى هذا الجانب انسجاماً مع الظروف ومحاولة لاستشعار الهم العربي العام والعراقي بشكل خاص. هؤلاء الشعراء عانوا من الوضع قبل أن تحدث المشاكل الأخيرة عانوا من سنين، سبعين سنة وهم يعيشون مشكلة العراق كثير يظن أن المشكلة بدأت الآن وأن العراق لم يبدأ بالأنين إلا الآن العراق يئن منذ سنوات طويلة وكثير ممن يتعاطفون معه كان ينبغي أن يتعاطفوا منذ زمن طويل وأعتقد أن الشعر العراقي هو الإعلام الأكبر طوال العقود الماضية عن هذه المأساة التي ظلت متوارية وكأنها لم تحدث إلا الآن لكن منا الذين ظلوا يقرأون هذا الشعر ويستمعون إليه كانوا يعرفون هذه المأساة منذ أمد طويل وكما ذكر الدكتور عبدالله الفيفي في بداية حديثه، الشاعر بطبعه المفرط الحساسية أحرى به أن يعيش هذا الهم قبل أن يعيشه غيره والشاعر أو الفنان بشكل ما والكاتب والمفكر هو نبض الأمة السريع الذي يدرك المعاناة ويعبر عنها بسرعة وبالتالي يدفع الثمن بسرعة أيضا لذلك كان من الطبيعي أن يتغرب هؤلاء كلهم مثل ما تغرب رسامو العراق ونحاتو العراق ومفكرو العراق وليس فقط الشعراء.
أعتقد أن الحوار مع الاخوة الموجودين سيثري الحوار ويتيح لنا فرصة بالإضافة.
مداخلات الحضور
د. القحطاني: أنا سعيد بهذه الندوة وحضورها.
الحقيقة أن الحديث في شعر المنفى أو المنافي حديث لا ينتهي وهو حديث متواصل وذو شجون والمنافي متعدد.ة هناك أسوأ من المنفى الخارجي المنفي الداخلي الكثير من شعراء العراق بالذات إذا تركنا ضرب الأمثلة بالشعراء القدامى كشوقي والبارودي وغيرهما نجد أن الشعراء يعانون من المنفى في الداخل مثل عبدالستار الجندي وياسين الجبوري وغيرهم لحد الآن يعانون من ذلك.
لكن فيما يتعلق بالمنفى ان المنفى منفى يعني الحقيقة بالنسبة للشاعر هناك شعراء صنعهم المنفى لم يكونوا في داخل العراق شيئاً ومنهم البياتي كما ذكر الدكتور عبدالله المعيقل. البياتي لولا المنفى وتعلقه بالأيديولوجيات السياسية وبالأيديولوجيات الفكرية الأخرى لم يظهر البياتي كما ظهر أحمد الصافي النجفي الذي كان معروفاً في العراق قبل أن يهاجر أو مظفر النواب ألخ.
وهناك شعراء في الحقيقة أنا أرى أن المنفى قتلهم يعني ربما يختلف رأيي مع الآخرين أنا أرى أن أحمد الصافي النجفي من الذين ذهبوا ضحية للمنافي وأن مظفر النواب ايضا من الذين قضى عليهم المنفى.
سعدى يوسف: أنا أرى أنه تطور قبل المنفى في منفاه الاختياري الذي كان موجوداً في العراق كان أقوى من شعره في المنفى في سوريا أو في المناطق الأخرى. يبدو لي أن القضية السياسية التي كانت تحاصره وتطارده في المنافي كانت أقوى من الآخرين لذلك نرى أنه كان مستواه أقل في المنفى من ذي قبل وعلى أي حال إن المنافي أو طرح هذه الفكرة في وقت مثل هذا هي فكرة جديرة بالاحترام ونقدر أيضاً الأعضاء الذين كانوا بها ونتمنى أن نحضر أمسيات تكون أحسن.. شكراً لكم.
مداخلة من أحد الحضور
شكراً للدكتور سعد وشكراً لفرسان الندوة أو اللقاء هذا. أعتقد أن السبب الحقيقي وراء النفى أو المنفى كوضع السبب الرئيسي هو سياسي وهو عدم تعود الشاعر مع الواقع الذي يعيش فيه.. نقطة كنت أتمنى من النقاد الكرام أن يركزوا على منفى أشد على الشاعر هو المنفى الذاتي في داخل الشعراء أو المنفى البيئي أو المكاني بعض الأحيان المرء يحيا بالاغتراب وهو داخل الوطن كنت أتمنى التركيز على هذه النقطة وشكراً.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|