حول..(واقع الفن التشكيلي المحلي.. لمحمد المنيف) عبدالجبار عبدالكريم اليحيى*
|
يطالعنا الأستاذ الفنان والناقد والمؤرخ التشكيلي الاستاذ محمد المنيف بكتابته الرائعة عن (الفن التشكيلي) المحلي السعودي بمواضيع متتابعة الحلقات. يرصد فيها كل ما يهم ويشغل بال الفنان السعودي ومتذوقيه بأسلوب ممتع وروح عالية من الفهم لما جرى ويجري على الساحة التشكيلية بصراحة متناهية دون محاباة, قاصداً بذلك إلقاء الضوء وكشف بعض الهنات،في وسط الفن والفنانين التشكيليين دونما تجريح أو كيل مديح.
هذا التجرد أكسب مقالاته عمقاً وتمحيصاً وموضوعية نحن في أشد الحاجة إليها, وملأ فراغاً حاول الكثيرون أن يلجوه ولكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إلى الإدراك المعرفي ولا العمق الفكري في صيرورة التطور للفن التشكيلي المحلي.
لقد وضع المشرط في مكانه الصحيح ونكأ صديد الجرح، ومسحه بالدواء الشافي بإذن الله .
إن غيرته ونظرته الصائبة، تجاه بعض الانحرافات والتسطح في نتاجات بعض الفنانين ونحو بعض أولئك الذين يتناولون (النقد والكتابة)، سوف تساهم في تقويم تلك الانحرافات وتسدي خدمة جليلة لفرز الأجدى بالبقاء ونبذ الدخيل سواء بالرأي أو بالعطاء الفني.
ليس هذا إطراء للزميل الأستاذ محمد المنيف، فهو ليس بحاجة إلى ذلك، إن استمراريته في تحرير صفحة (الفن التشكيلي) لأكثر من عشرين سنة شاهد على هذه الروح (النضالية) المتماسكة.
إن ما يهمني ويهم الكثير من إخواني الفنانين.. تركيز الأستاذ المنيف، بلا كلل، على هوية الفن المحلي وعفويته وتمسكه بتراثه وتطوره الطبيعي أو الذي يجب أن يكون طبيعياً دونما القفز العشوائي أو الترحال النطنطة بين أساليب بعيدة كل البعد عن فكرنا ونسق تطورنا المتأني، مع الأخذ والاستفادة الحقيقية بالتجربة العالمية (علمياً وعملياً) بصورة اختيارية منتقاة، تتلاءم مع عاداتنا وتقاليدنا المنتقاة أيضاً بصورة واعية ذات مردود ملموس يخدم مسألة التطور بما يتلاءم مع مستجدات روح العصر ومتطلباته الاجتماعية والفكرية.
من النقاط المهمة وأغلب النقاط التي أثارها مهمة طبعاً، ولكن هناك نقطة مهمة ومثيرة بنفس الوقت وهي تحتمل النقاش والتأكيد، وقد تطرق إليها ولكن بصورة عابرة وتحتاج إلى تركيز واهتمام أكثر، وأنا على يقين بأنه سوف يعطي المزيد من الاهتمام لهذه النقطة.
لقد تطرق إلى هذه النقطة من خلال مشكلة (التحكيم) ولكن بصورة سريعة وكما يقال: (إذا عرف السبب بطل العجب) فالمتداول بين أغلب من كتب عن الفن التشكيلي في مكتبتنا العربية، أن هذا الفن، فن مستورد من الغرب، ولذا فنحن تابعون أو متأثرون بتشبّع بما ورد إلينا، وخصوصاً حينما يتطرقون إلى المدارس والأساليب الحديثة، بل إن هناك من بزّ الأساليب تلك وانتهج أساليب (طارئة) أو منفلتة، بحجة الاختلاف وغير المألوف، دونما وعي أو إدراك لتلك الأساليب ودوافعها وجذورها في تلك المجتمعات بظروفها المادية والتاريخية وما تنطوي عليه من فلسفة خاصة أفرزتها تطورات تلك المجتمعات. ولا يقتصر ذلك على الفنون التشكيلية فقط، بل يتعدى ذلك مناحي كثيرة من نتاجات الفكر والمعرفة وبالتأكيد طرق وأساليب الحياة الاجتماعية والصناعية، ليس هذا دعوة إلى قطع الصلة مع التقدم والحضارة الغربية، فنحن في حاجة شديدة إلى الأخذ والاقتباس والتعايش ولكن يجب أن تكون هناك عملية اختيار واعية، مدروسة ومنتقاة بما يتلاءم مع نهجنا الحضاري الخاص بنا، تماماً مثلما ننتقي من تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا الأمور النافعة التي تمدنا بغذاء عصري يوائم متطلباتنا المستجدة والمتغيرة حسب تغير التطور الإنساني باستمرار ما ينفعنا نأخذ به وما لا ينفعنا نتركه غرباً أو شرقاً.
إن ما يخص الفن التشكيلي بصورة خاصة، هي تلك الأفكار والقناعات التي صاحبت رجوع البعض عند عودتهم من البلدان الأوروبية والأمريكية، إبان دراستهم للفنون وتشبعهم بمناهج أساتذتهم فنياً وفكرياً ودراستهم تطور الفن الأوروبي ومدارسه مما أسبغ عليهم فكراً وفناً مستقى من تلك المصادر، فأخذوا يبشرون به ويدرسونه لتلامذتهم في المعاهد والأكاديميات في بلداننا، متناسين أو جاهلين مع الأسف فنون حضاراتهم الضاربة في عمق التاريخ وقلبه، بل ووصفوا ذلك الفن بالفن الإسلامي أو الأشوري أو الفرعوني.. إلخ من المسميات، بحيث من يسمعها يظن أنها ليست من هذه الشعوب الموجودة حالياً والتي تحمل بين وجدانها ذلك الإرث العظيم، وكما ذكرت سابقاً، ليس هذا ما يتصل بالفنون التشكيلية فقط ولكنه يسري على جميع ميادين حضارتنا مما سبب انقطاعاً وخللاً في الوشائج الفكرية مع حضارتنا وواقعنا, حتى إن دراسة معرفة هذه الأسباب والمسببات أخذنا نستقيها من مصادرهم ومؤلفاتهم ونظرتهم لنا، ناسين أو متناسين أو جاهلين ما لدينا من فنانين وعلماء في شتى المجالات وعلى ممر العصور، أغفلنا ذلك في مناهج مدارسنا وفي منابر إعلامنا ولم نحاول أن نربي أجيالنا التربية الحقيقية ونشرح ونذكر ما قام به أولئك الخالدون سواء في العلوم أو الفنون أو الآداب بينما كان ذلك الركيزة الأكيدة للانطلاق من ثقافة ميزتنا وتميزنا بفخر عن الآخرين.
إن هؤلاء الفنانين (الأساتذة) يرطنون بلغة بعيدة كل البعد عن استيعاب معظم المتلقين والمشاهدين ويجهدون أن يصدروا أحكاماً مبنية من معرفة مجتمعات غريبة عن واقعنا، وهم بذلك يطمسون معالم حضارتنا وإرثنا العريق، بحجة لا تصمد أمام العلم والمعرفة وجادة الصواب، فهم يفسدون مقولة إن الفن لغة عالمية وعلى هذا الأساس فالفن يجب أن يتجرد من محليته وعن هويته، ناسين أن هناك فناً صينياً ويابانياً ومكسيكياً.. إلخ ، بهذا الادعاء والفهم المغلوط لعالمية الفن ليس معناه أن ينحصر الفن في نطاق محلي ضيق يعالج قضايا ذات خصوصية عرقية أو سمات شكلية بل يجب أن يحمل الفن الصفة العالمية بإنسانيته المتسمة بالخير والمنفعة للإنسان تخاطبه، ولأن الفن يخاطب العقل والمشاعر والأحاسيس باللون والموسيقى، فهو بالتالي يخاطب مشاعر وأحاسيس سائر عموم البشر، فهو إذاً لغة عالمية، حتي اللغة في رسم حروفها فهي تضم تلك الأحاسيس والمشاعر التي يشترك فيها عموم البشر، ولكن تبقى الهوية والمحلية هي النبراس الذي يميز هذا الأدب أو ذاك الفن ولكن بما ينطوي عليه من تعبير إنساني صادق في التعبير عن تلك الهوية أو المحلية.
وأخيراً، وللتأريخ أود أن أضيف مصححاً بعض المعلومة عن تواجد صفحة الفن التشكيلي في جريدة المدينة وبأنها أول من أفرد صفحة للفن التشكيلي وكنت أحرر تلك الصفحة الأخيرة يوم الجمعة بمفردي كتابة وتصحيحاً وإشرافاً. كان ذلك في منتصف عام 1967م عام النكبة، وكانت الصفحة تحتوي على:
1 مقال مترجم عن الفن من مجلة نيوزيويك ومجلة التايم.
2 كتابة مقال في حلقات عن (أثر الفن في تطور المجتمع).
3 شرح لمبادئ أولية في الرسم المنظور، التشريح.. إلخ.
4 لوحة الأسبوع.
5 نادي الرسم دعوة للمشاركة.
6 قصيدة مع تخطيط.
والله من وراء القصد.
*فنان تشكيلي وكاتب
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|