«الثقافية » بين السؤال الثقافي وصخب المرحلة والنقد اللاذع عبدالله السمطي
|
جاء تحول الجزيرة الثقافية بوصفها ملحقاً اسبوعياً متضمناً داخل الجريدة، إلى مجلة ثقافية منفصلة في خضم معركة أدبية ونقدية طرحتها الجزيرة تتعلق ب(موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث) التي شغلت الناس وحركت ركوداً كان قائماً في الساحة الأدبية بالمملكة.. على وقع هذه المعركة جاء التحول الذي نجم عنه تحول آخر في استراتيجية العمل الصحفي الثقافي.
إن هذا التحول نجم عنه أمران على قدر من الأهمية:
الأول: استقلال شبه كلي للعمل الثقافي عن الصحيفة اليومية، بحيث إن الثقافة تصدر في مجلة أسبوعية، تلحق عند تنسيق العدد بالصحيفة كإصدار مستقل.
الثاني: إن الشكل الفني للمجلة، يحتاج إلى تكثيف في المادة، واختزال كبير في مضمونها، وامتداد زمني لطبيعة المادة لا تركز على الجانب الخبري اليومي مثلاً بل على ما هو ممتد زمنياً قدر الإمكان.
هذان الأمران جعلا من الثقافة عملاً اسبوعياً.
من المفترض أن يتحلى بالتأمل والمتابعة المتأنية لواقع الحياة الثقافية المحلية والخارجية.. وهذا ما حدث بالفعل في أعداد المجلة على فترات زمنية مختلفة.
ولعل استقبال المثقفين للمجلة كان جيداً، والدليل على ذلك نسبة المشاركات وتنوعها، أدبية وفكرية وقصصية وحوارية ونقدية، بيد أن هذا الاستقبال كان منوطاً بجدة المجلة، بمعنى أن الجديد يمثل نوعاً من الجذب وهذا ما ينتبه له القائمون على المجلة. فكان حرص الأستاذ الأديب إبراهيم التركي على ألا تتوقف المجلة فحسب على ما يرد إليها، بل ان تنهض هي بالدور الصحفي التحريري المطلوب عبر طرح القضايا الثقافية والمحاور المختلفة التي تقرأ الوجه الثقافي بشكل موضوعي. وهذا هو ما يعتقده محررو هذه المجلة.
السؤال الثقافي
ربما كان السؤال الثقافي الجدي هو ما يحرك مكامن الكتابة لدى محرري الثقافية، ولعل الدور الذي نهضت به طوال أعدادها التي تجاوزت المائة حتى الآن، تمثل في إعادة الحيوية للواقع الثقافي قدر الإمكان، وطرح السؤال الذي يثير ويكشف ويفيد، وربما إعادة استكتاب وجوه ثقافية كان لها دورها الفاعل في المشهد الثقافي السعودي، وأيضاً إعداد ملفات عن شخصيات ثقافية تمثل ركيزة جوهرية في قلب هذا المشهد، وتحولاته المتعددة. بيد أن هذه الوجوه الثقافية ما كان لها أن تجعل من الاحتفاء المبرر وغير المبرر بأي عمل تأليفي شعاراً لها، وأن تستظل بأفياء هذا الكاتب أو ذاك.. بل في مقالات الرائدين: سعد البواردي وعلوي الصافي ما يؤذن بطرح ثقافي مجيد، لكنه طرح يتأدى من خلال يقين مسبق بالمكتوب عنه، أي أن الإضافة هنا لا تكون على قدر المأمول من الوعي الريادي، فالآليات الممسوك بها أو المكتسبة لدى الأديبين الرائدين لا تفي بما تحويه النصوص المقروءة سلباً أو إيجاباً، فضلاً عن تكراريتها وانطباعيتها، وهنا يحدث نوع من إماتة الفكر النقدي لا إحيائه أو تجديده.
وفي سياق أحاديث الذكريات وجسور التنهدات وقراءة الذاكرة أعادت الثقافية أسماء بارزة مثل الأستاذ عبدالله الماجد، كما أنها نشرت مجموعة كبيرة من الوثائق والمراسلات النادرة. وبالنسبة للملفات الثقافية على أهميتها فإن القراءات المنهجية غير الاحتفائية هي ما تفتقر إليه، بحيث تقدم الشخصية المعد عنها الملف بكل وجوهها، وربما هذا يكون أجدى للحياة الثقافية وللسؤال المعرفي بوجه عام.
نقد لاذع وحوار ناري
في الصحيفة الثقافية الأسبوعية، هناك وقت للإعداد الجيد للمادة الثقافية، ومن متطلبات الصحيفة الأسبوعية البعد التسويقي، الموضوعات الطريفة المثيرة، حركية الكتابة، متابعة الساحة بشكل حيوي، الكتابة الصادقة الجريئة، وهذا يندرج كله في إطار الجديد، والمباغت، من هنا فإن الثقافية وأنا أفخر في الانتماء لها، والكتابة عير صفحاتها، تتطلب جهداً كبيراً في إعداد الحوارات والملفات والقضايا الساخنة، وكشف المسكوت عنه في الساحة الثقافية، لأن القارئ اليوم محاصر بآلاف المصادر الثقافية عبر الصحف ومواقع الإنترنت والفضائيات، ولن يضيع وقته إذا كان ثمة وقت ثمين في قراءة مادة مكرورة أو غير مستساغة، أو تقليدية، إنه يريد المادة الدسمة الحارة الساخنة الشريرة بمعنى بعيد تلك المادة التي ستكسر ما تعوده من هدوء، وتجعله في حالة قلق إيجابي حتى صدور العدد الجديد الذي سيصعد به إلى مشارف مواد أخرى دسمة جديدة. أعتقد أن هذه الوجبة الأسبوعية الساخنة ستكون حديث الناس، وحديث المشتغلين بالثقافة. والمواد الساخنة الحية كثيرة جداً إذا تم التزام التالي: أولاً: الابتعاد عن المخاوف المصطنعة من وضعية هذا الكاتب أو ذاك أو مكانته الثقافية أو الاجتماعية أو علاقاته هنا وهناك، هذه المخاوف التي تصطنعها بعض المجتمعات الشرقية للحفاظ أحياناً على مكانة ما قد ينتفع بها البعض أو يروج عبرها اسمه للوصول إلى مآرب غير ثقافية. في الصحافة الغربية لا توجد هذه المخاوف.. بل هناك نقد لاذع وحوارات نارية. ثانياً: الكشف الدائب عن مستور الحياة الثقافية، ولحظتئذ سنجد وبشكل موثق أن هذا الكاتب يكتب له فلان، وأن هذا الشاعر الثري الكبير لم ينظم قصيدة في حياته، وأن هذا الناقد الكبير سطا على جهود بعض النقاد الشباب، وهكذا. ثالثاً: الذهاب إلى أقصي مدى في الحوارات الصحفية الثقافية بحيث يتم نقل الصورة الحقيقية للشخصية التي يتم إجراء الحوار معها، بمعنى آخر نقل الأحاديث الشفهية المتداولة في المجالس، أو المقاهي أو الفنادق بشكل جدي، لأنها أحاديث تبدي آراء مغايرة تماماً أو تقدم صورة أخرى للحياة الثقافية تتكشف فيها الأقنعة وتصبح في درجة البياض الكتابي. رابعاً: الكشف الثقافي الحقيقي عن المكبوت الثقافي هو الذي يجدي، ويحدث تغييرات كبيرة في تضاريس المشهد، ولقد جربت ذلك كثيراً في معارك أدبية دارت في الشرق الأوسط بين جمال الغيطاني وإدوارد الخراط، ثم في الرياض بين صلاح فضل وحامد أبو أحمد وغيرهم، وفي الوطن بين الأستاذ محمد العثيم، وفي الجزيرة بين معدي موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث وبعض الأدباء والنقاد، ولم يحدث لي شيء سوى إيقاف عن الكتابة والنشر مدة 45 يوماً، ولم يقصف قلمي أو تشرد عائلتي، لكن التغييرات والاستقالات وكشف الأقنعة كان مثيراً وكبيراً ووهاجاً. خامساً: هنا يأتي دور المحرر الثقافي، أن يكون على علاقة دائبة بالمشهد، أن تتعدد حواسه وتلتقط الخيوط الساخنة من القضايا الثقافية التي تصنع بين الأجيال المختلفة، وفي الأكاديميات، ومنابر الأدب والثقافة المختلفة.
أعتقد أنه عبر هذه النقاط يمكن أن نتنفس مناخاً ثقافياً نقياً، دون اصطناع مخاوف معينة.. لأن الخوف إذا حل ثقافياً سيتمدد ويستشري، والخوف والتردد هما العدوان اللدودان لأي صحفي مبتكر.
صخب المرحلة
أجمل ما في الثقافية أنها نقلت الصورة الثقافية بوجوه مختلفة، قدمت وانحازت إلى أدباء شبان، قدمت أصواتاً كثيرة في القصة القصيرة والشعر، والنقد الأدبي، نقلت صخب المرحلة الثقافية، وبقي أن توسع من مدارات الصورة الثقافية بالدخول إلى الواقع نفسه وقراءة الدور الثقافي اجتماعياً واقتصادياً ومعرفياً. الثقافية عنوان مرحلة ودفعة كبيرة للمستقبل الثقافي تقدمه صحيفة الجزيرة، بوعي وإخلاص ومثابرة.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|