(هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات) العاشق الحائلي!!
|
* بقلم / علوي طه الصافي
في حديثه مع الآخرين عذوبة طعم العسل، وفي مجالسه وقار الكبار، وفي عنوان زاويته الأسبوعية بمجلة اليمامة.. عبارة رقيقة هي (في حدود المحبة) ومن خلالها يعالج قضايا اجتماعية، ووطنية، وقومية، وأدبية، وسياسية، بأسلوب منشاري حاد يتناسب والقضية التي يناقشها، أسلوب يطعمه بالحكمة، والحديث الشريف، والقول المأثور، والشعر، والمَثَل فصيحة وعامية، ينشد الحق والحقيقة فما يكتب من منظوره الخاص، وهو منظور طبيعي غير معتسف، فالكاتب حين يكتب ينظر من الزاوية التي تقع تحت عدسة منظوره الخاص، إذ لا يعقل أن يستلف، أو يتبنى رؤية غيره، فلكل كاتب رؤيته الذاتية في أي قضية يناقشها، وتعدد الرؤى يثري القضايا المطروحة للجدل والنقاش!!
تحس في عبارته الصدق الذي يوصله للمتلقي القارئ، لهذا يجد تجاوباً حماسياً من قرائه، ومن المسؤولين الرسميين، وهو لا يتأنق في أسلوبه، وجل، ان لم يكن كل كتاباته التي تنشرها له الصحافة متماشية مع أسلوب الصحافة.
ليس له من الأعمال المطبوعة سوى كتاب (من وراء الحدود) ومن عنوانه تحسبه على (أدب الرحلات) الانطباعي، وله إلى جانب ذلك كتيب هو الأول الصادر عن سلسلة (هذه بلادنا)، عن مدينته التي لا يعشقها فحسب، بل يفتتن بها، وترتبط مشاعره المتيمة بكل ذرة، أو حفنة من ترابها، المأسورة بكل حجرة من حجارتها، انها مدينة (حائل)، وعاشقها المفتون بها محور موضوعنا هذا هو الصديق الراحل الأستاذ (فهد العلي العريفي) الذي عارك الحياة وعركته حتى أنه لم يتمكن من اكمال دراسته الجامعية، مكتفياً منها بالسنة الثالثة كلية الآداب قسم الجغرافيا، وكان لعدم اكماله السنة الرابعة النهائية في الجامعة ظروف أقسى من طموحه، وتطلعاته، ومع ذلك كان في أخريات سنين عمره (مديراً عاماً لمؤسسة اليمامة الصحافية) التي تصدر عنها جريدة (الرياض) اليومية، ومجلة (اليمامة) الأسبوعية، وجريدة يومية تصدر باللغة الإنجليزية باسم (Riyadh DAILY) الرياض اليوم، وأخيراً أضيف الى اصداراتها كتاب شهري في سلسلة بعنوان (كتاب الرياض) متعدد الاهتمامات الثقافية، والفكرية، والأدبية، مع استقلال كل كتاب بقضية محددة لكاتب من الكتاب من داخل المملكة، أو خارجها، وقد تجاوزت هذه السلسلة بإصداراتها المائة كتاب حتى تاريخ كتابة هذا الموضوع.
وكان هذا آخر عمل يقوم به، وحين أضناه المرض لزم منزله، ثم أصيب بنوبة قلبية اضطرته إلى دخول المستشفى، فأجريت له عملية جراحية في القلب لم يعش بعدها طويلاً، منتقلاً الى جوار ربه الغفار الرحيم، وقد نعته الصحافة بعد وفاته بأقلام أصدقائه وهم كُثر من الكتاب والصحافيين، وأبناء مدينته التاريخية (حائل) ذاكرين مناقبه ومحامده، وسيرة حياته التي قضاها في خدمة وطنه، وما قدمه من أعمال خيرية لأبناء مدينته، ومساندته في مشاريعها النهضوية التطويرية، لهذا ارتبط اسمه في أذهان الناس باسمها، كما ارتبط اسمها باسمه.
ويأتي جبلا (اجا، وسلمى)، وأسطورة العشق التاريخية التي جمعتهما و(ظلما آكلة الرجال)، وذكرى (حاتم الطائي)، رمز الكرم العربي.. كل هذه المدلولات تأتي قواسم مشتركة عاطفية، وسلوكية، وفسيفسائية تاريخية وميثولوجية بين صديقنا الراحل (العريفي) وكل مواطن من (حائل) التاريخ الموغل في القدم، حاضن معالمها وآثارها ونقوشها التي شد من أجلها المستشرقون والرحالة الغربيون الرحال قاطعين آلاف الأميال بحثاً عن كنوزها المخبوءة من الآثار، والرموز التاريخية.
ومن هؤلاء الرحالة (جورج أوغست فالين) الفلندي، و(وليم جيفرد بلجريف) الانجليزي، و(تشارلز مونتاجو داوتي) الانجليزي، و(الليدي آن بلنت وزوجها ويلفرد سكان بلنت) من بريطانيا، و(ادوارد بودن، وبرمان) الانجليزيان، و(البارون ادوارد تولده الألماني، و(كارلو كلود يوغور ماني) الايطالي، و(جرترود بل) الانجليزي، و(يوليوس اويتنج) الالماني، و(تشارلز هوبر) الفرنسي، و(لويس موزل) النمساوي، و(الدن روتر) الأمريكي، و(ريتشاردويليام سون) الانجليزي الذي اعتنق الإسلام، واختار له اسم (الحاج عبدالله).
وحين نمعن النظر في هذا العدد من الرحالة الذين زاروا (حائل) المدينة والمنطقة ندرك أبعاد أهميتها التاريخية، وموقعها الاستراتيجي، وما تحتضنه من آثار ومعالم بالغة الأهمية، منها ما تم اكتشافه، ومنها ما يزال مطموراً تحت أرضها، وفي جبالها مما يعطي الحق لصديقنا (العريفي)، وكل حائلي ان يفاخر بها، ويشعر بالاعتزار في الانتماء إليها.. أما نحن فينطبق علينا ما يقوله الشاعر (الشريف الرضي) عن نفسه:
فاتني ان أرى الديار بطرفي
فلعلي أرى الديار بسمعي
أو كما قال الشاعر العراقي (المبارك بن حمد بن المبارك) ممنياً نفسه:
وما بعدت دارٌ ولا شطَّ منزلٌ
إذا نحن أدنتنا الأماني والذكر
وحسب وجهة نظر المهتمين بالأساطير فإن (القدامة) او إيغال الأشياء في أحشاء التاريخ (زمكانياً) يخلع عليها بعض الحكايات الأسطورية.. وهو ما نراه ينطبق على حكاية جبلي (أجا، وسلمى) وحكاية (ظلما آكلة الرجال).. والأساطير في عمومها ظلال لحقائق التاريخ.. وقد وردت الاسطورتان في تاريخ (حائل).. ونحن ننقلهما هنا بالنص عما نشرته جريدة (عكاظ) إعداد (صالح الفهيد) أحد ابناء حائل (وأهل مكة أدرى بشعابها).
1 أجا وسلمى: قصة العشق والتحريم: اختلف الرواة حول سبب تسمية جبلي (اجا وسلمى) بهذا الاسم ، والأرجح هو ما ذكره العلماء باخبار العرب ان (اجا) سُمي باسم رجل من (العماليق) يقال له (أجا بن عبدالحي) عشق امرأة من قومه يقال لها (سلمى)، وكانت لهما حاضنة يقال لها (العوجاء) وكانا يجتمعان في منزلها حتى نذر بهما اخوة (سلمى)، وهم (الغميم، والمضل، وفدك والحدثان وزوجها) فخافت (سلمى) وهربت هي وأجا والعوجاء، وتبعهم زوجها وأخوتها فلحقوا (سلمى) على جبل فقتلوها فسمي الجبل باسمها (سلمى) فيما بعد، ولحقوا (العوجاء) على هضبة بين الجبلين فقتلوها فسمي مكان الهضية باسمها.
أما (اجا) فلحقوه بالجبل الآخر القريب من الجبل الذي سمي باسم (سلمى) ولما قتلوه سمو الجبل باسمه (أجا).. وما زال الجبلان شاهدين الى اليوم.
ومضى (الغميم) الى ناحية الحجاز فنزلها، واقبل (المضل) الى موضع (القاع) واستنبط به بئراً، وأقام به حتى مات، ولحق (فدك) بموضع سمي باسمه (فدك)، ولحق (فائد) بالجبل الذي سمي باسمه (فائد) بطريق مكة المكرمة، ولحق (الحدثان) بموضع حرة سمي باسمه (حرة الحدثان)، وكل هذه المواضع التي سميت باسمائهم هي اليوم من منازل (طيء) بين جبلي (أجا وسلمى) (عكاظ العدد 13821).
2 ظلما.. آكلة الرجال: و(ظلما) امرأة من (قفار) ينسب إليها غار في ريع السلف في جبل (أجا)، وما زال هذا الغار يحمل اسمها الى اليوم.
ومن أخبار أهل جبلي (أجا وسلمى) ان المرأة (ظلما) كانت تقتنص المسافرين في هذا الطريق، وهو أشهر درب في الجبل فتأكلهم، ويحوك الأهالي.
حول (ظلما) وطريقتها في أكل الناس أحاديث كثيرة في غاية الغرابة والطرافة، ويعتقد كثيرون بصحة ما ينسب إليها من أخبار اقتناص المارة، وتقطيع أوصالهم، وقيل انها لا تتعرض لبعض الناس لما تدركه بحسها من عدم قدرتها عليهم، وقيل انها تستدرج من لا يعلمون من أمرها شيئاً الى غارها فإذا اطمأن المسافر استدارت من وراء الهضبة التي فيها الغار وأهوت عليه حصاة من حجارة تكون قد هيأتها لهذا الغرض، ثم تنزل وتجهز عليه!!
ومما يروى أن لها بنتاً تعينها على ذلك، وظل الناس في الجبلين يفزعون أولادهم بظلما وأخبارها.
ومن طريف الحوادث ما رواه أحد أهل (قفار) ان أحد (آل عيادة) من تميم خرج عليها في غارها حيث استطار شرها وانتشر فقتلها، وعاد بابنتها الى (قفار).. ويروي الراوي وما آفة الأخبار إلا رواتها دخل رجل سوق (قفار) فشاهد بنت (ظلما) فاضطربت خجلاً حين رأته، أما هو فقال: (الله على فحة الساقين!!) يذكرها بشعر لأمها قالته حين همت بأكله لو لا أن أفلت عنها، فقالت له البنت على الفور (الستر يا ابن الأجواد.. هذا لا ليه ولا ليك) اي ان هذا أمراً قد فات وانقضى، وماتت (ظلما)، ولا شأن لك ولا لي به.. وذكر الراوي ان بنت (ظلما) تزوجت في (قفار) وأنجبت ..(المصدر السابق في العدد 13829).
ونحن لو تجاوزنا اسطورة جبلي (أجا وسلمى) فإننا لا يمكن أن نتجاوز اسطورة (ظلما) آكلة الرجال، لأنها مجرد خرافة من الخرافات التي تروى عن الجن والشياطين في غياب الإيمان، والعلم، مثلها كمثل (الدجيرة)، و(أم الصبيان)، و(امنَّباش) في الحجاز والجنوب.. ويكاد لا يخلو شعب من الشعوب من مثل هذه الخرافات التي انتشرت في طفولة الإنسان التعليمية والحضارية والتمدن!!
إذا كان الحديث قد جرنا إلى (حائل) وتاريخها، وبعض أساطيرها فما ذلك إلا أنه حديث غير مباشر عن صديقنا (العريفي) العاشق الحائلي الذي عاش حياته من أجلها، رحمه الله.
alawi@alsafi.com
ص.ب 7967 الرياض 11472
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|