د.عبدالله بن موسى الطاير
في أكتوبر 2024م أدلى الرئيس دونالد ترامب بتصريح لافت قال فيه: «هل تعلم أن هناك أنبياءً يقولون إن نهاية العالم ستبدأ من الشرق الأوسط؟». قد يُنظر إلى الإشارة إلى نبوءات نهاية العالم في الديانات الثلاث، على أنها مجرد تعليق عابر أورده بطريقته الاستفزازية المميزة.
ومع ذلك، وبالنظر إلى التأثير الكبير للمسيحيين الإنجيليين - وهم ركيزة أساسية في قاعدة الجمهوريين السياسية - فإنها تُثير سؤالاً لا يقل استفزازا وهو: هل يُمكن للمعتقدات الدينية، وخاصة تلك المرتبطة بلاهوت نهاية العالم، أن تُشكل السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط؟
لطالما نظر المسيحيون الإنجيليون، الذين يبلغ عددهم نحو 660 مليونا حول العالم، منهم 25 إلى 35 % من عدد سكان أمريكا، إلى الشرق الأوسط من منظور الكتاب المقدس. بالنسبة للكثيرين منهم، لا يمثل الشرق الأوسط مجرد بؤرة جيوسياسية ساخنة، بل هي ساحة لتحقيق النبوءات التوراتية والإنجيلية. يرتكز هذا التوجه العالمي للإنجيليين على الإيمان بعودة المسيح عليه السلام، ويتداخل مع ذلك إعادة بناء الهيكل اليهودي في القدس، وخروج المسيح الدجال، ومعركة أرمجدون التي تُربط بآخر الزمان.
واضح أن صانع السياسة الأمريكية مدرك لهذه الروايات، وأنه مستعد للانخراط معها سياسيًا إذا كانت صادرة عن قاعدة انتخابية عريضة. يعتقد أن الرئيس الأمريكي الحالي منتم للمسيحية الإنجيلية، إضافة إلى نائبه السابق مايك بنس، ومايكل بومبيو، وتيد كروز، ومايك جونسون، وغيرهم ممن هم في السلطة أو في مراكز التفكير الداعمة للقرار. يجدر الذكر أن 80 % من المسيحيين الإنجيليين صوتوا للرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
تتوافق سياسات أمريكا في الشرق الأوسط بشكل محكم مع أولويات الإنجيليين. كان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 2018م قرارًا تاريخيًا، احتفل به الإنجيليون الذين يرون فيه خطوةً نحو تحقيق النبوءة أكثر من احتفال بعض اليهود به. كما عزز الدعم القوي لإسرائيل، بما في ذلك اتفاقيات إبراهيم التي تُطبّق العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية، التحالف بين السلطة والدين.
نعم، كانت هذه السياسات براغماتية من قبل رجل أعمال يؤمن بالصفقات الرابحة، لكنها لاقت في الوقت عينه صدىً عميقًا لدى جمهور ديني يرى في قوة إسرائيل نذيرًا بنهاية العالم على ما تتمناه هذه الطائفة المسيحية.
أي رئيس أمريكي قد يميل بشكل أكبر نحو سياسات تُناسب حماس قاعدته الانتخابية تجاه الآخرة. وقد يدفع الإنجيليون، نحو اتخاذ خطوات أكثر جرأة - كزيادة دعم السيادة الإسرائيلية على الأراضي المتنازع عليها، أو اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران، التي غالبًا ما تُصوَّر على أنها شريرة في السيناريوهات الدينية عند المسيحيين الإنجيليين. وقد تنفتح السياسة الأمريكية على صياغة مثل هذه السياسات من منظور روحي، يمزج بين الجغرافيا السياسية والقدر الإلهي، سيجادل المعارضون لهذه الفرضية بأنها تُبالغ في تقدير دور الدين في السياسة الخارجية الأمريكية.
في نهاية المطاف، تكون القرارات مدفوعة بالمصالح الاقتصادية، والحسابات الانتخابية، والولاء الشخصي، أكثر من كونها نصوصًا كتابية مقدسة. وبذلك تُقدم الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط في النفط، والأمن، ومكافحة الإرهاب كمبررات علمانية للصفقات والسياسات. ومع ذلك، فإن تجاهل النفوذ الإنجيلي قد يُغفل جزءًا أساسيًا من الحبكة.
لقد دأب الجمهوريون على التودد إلى هذه الفئة السكانية، بتعيين شخصيات إنجيلية مفضلة في مناصب عليا، تلتزم بقضايا الطائفة الثقافية، وإذا سنحت لها الفرصة فقد توسع هذا الالتزام ليشمل السياسة الخارجية.
التداعيات كارثية إذا جنحت الأجندة السياسية الأمريكية ولو بشكل غير مباشر، إلى معتقدات آخر الزمان ونهاية العالم. قد يُصعّد ذلك التوترات في منطقة مُضطربة أصلًا، ويسكب مزيدا من الزيت على النيران المشتعلة. سيُنظر العالم إلى إعطاء الأولوية لتوسع إسرائيل على حساب الحق الفلسطيني، أو مواجهة إيران عسكريًا على أنها مغامرة مدفوعة بمعتقدات دينية أكثر منها سياسية، وفي غضون ذلك، قد يستغل الخصوم هذه الرواية، ويكيفون ما يجري وسيجري على أنه حرب مقدسة.
سيلتف الإنجيليون، الذين يشعرون بأن إيمانهم يهيمن على الساحة العالمية، بحماس، حول أية سياسات تمكّن لإسرائيل، وفي ظل حدة الاستقطاب، التي لا مثيل لها، في الداخل الأمريكي، فإن هذا الالتفاف الجماهيري منجمًا سياسيًا ثمينًا لا يُفرط فيه. وسواءٌ انصاعت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لعقيدة الآخرة الإنجيلية، أم التزمت الواقعية السياسية، فإن ذلك لن يغير من كون المنطقة بوتقةً للتقلبات الجيوسياسية، وأن تفاعل الدين والسلطة لن يكون بعيدا عن التشكلات المنتظرة.