فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة
مقدمة:
حرك اهتمام دولتنا أعزها الله بالمساجد التاريخية والأثرية، وخصوصاً برنامج سمو ولي العهد، وأعادني إلى الماضي في هذه الكلمات التي نبشتها من الماضي.
الحمد لله والامتنان له -سبحانه وتعالى- والشكر على ما تقوم به دولتنا وقيادتنا من التمسك بعقيدتنا والاتباع لسنة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم. إن عمارة المساجد كانت أساسا في بناء مملكتنا الحبيبة، منذ الدولة السعودية الأولى، ونرى شواهدها في كل مدينة وقرية وهجرة، وليس هناك أعظم وأكرم من اهتمام ملوكنا منذ توحيد الوطن على يد الموحد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه المولى رحمة واسعة- بالمسجد الحرام والمسجد النبوي.
توسعات لم يشهد التاريخ ما يماثلها، تزداد في كل عهد من عهود ملوكنا رحمهم الله: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله واليوم -بحمد الله وتوفيقه- في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان. لم تكن الإضافات مقتصرة -فقط- على التقنيات والتطورات التي هدفها الخدمة والتسهيل على من يصل إلى الأماكن المقدسة من حجاج ومعتمرين وزوار، بل تعدى ذلك إلى الاهتمام بالمساجد الأثرية والقديمة كما نرى في برنامج سمو ولي العهد وترميم المساجد التاريخية للحفاظ عليها.
وهذا ما شدني كمواطن كان في يوم من الأيام خادماً وموظفاً في جهاز الدولة، حيث ربطني حب الوطن والافتخار بتاريخه والاعتزاز به، وكان لي أيضا - بتوفيق الله وتمكينه - شرف المساهمة مع مجموعة محبة من الإخوان التوعية والاهتمام بتراثنا وثقافتنا وتاريخنا من خلال البحث وتقديم ما يثري الحراك الثقافي، مساهماً منذ الثمانينيات على سبيل المثال بمشروع (كتاب التوحيد) ورسالته لأصدقاء التراث.
كذلك الرفع إلى الجهات المسؤولة عمّا كنا نقوم به تحت مظلة قافلة (مكتبة الملك عبد العزيز العامة) من جولات غطت معظم مناطق الوطن الغالي، متمتعين ومتحمسين ومتشبعين بالمعرفة عن تاريخنا وتراثنا وحضارتنا، فكانت رسالة (المملكة في عيون المحبين).
من أول ما تشرفت بتقديمه في ندوة عام 2000م بمكتبة الملك عبد العزيز، مشاركاً بالاحتفاء بإشهار هيئة السياحة.
وها هي (طبب) الجميلة الناعمة والحالمة، بمسجدها ومبانيها الأثرية بنهرها المتسلل من بين حياتها لينساب إلى البحر الأحمر والأهم برجالها ومكانتها في مسيرة التأسيس، وتاريخها الذي لعبته في إرساء رسالة الدولة.
السعودية الأولى التي كلف بها الإمام سعود بن عبد العزيز آل أبو نقطة حيث كان المسجد هو عنوانها. مسجد الإمام 1221 (طيب) عسير كان - بحمد المولى- وتمكينه أول ما وفقنا كمجموعة من محبي الوطن وتراثه بعد زيارتنا لعائلة المتحمي آل أبو نقطة، حين كنا في معية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عندما كان ولياً للعهد، وفي ضيافة الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمهما المولى برحمته وغفرانه - بالرفع للمقام الكريم عن ضرورة الحفاظ على تراثنا وتاريخنا، وخصوصاً مساجدنا الأثرية للحفاظ عليها وترميمها خوفاً من تهالكها واندثارها.
وكم كانت سعادتنا بتجاوب وموافقة المقام السامي على الفوز بالأمر والتوجيه بالبدء في الترميم، وأوكلت المهمة لمؤسسة التراث للبدء في العمل - جزى الله قيادتنا وأولياء أمورنا خيرا - لخدمة الدين والوطن وتراثه منذ عهد المؤسس، وملوكنا من بعده إلى حاضرنا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده، وهذا ما نراه جلياً في مشروع ولي العهد لإحياء التراث الإسلامي بتطوير المساجد التاريخية.
ففي زوايا المملكة قصص تتجسد في جدران المساجد التاريخية، يروي كل حجر فيها حكايات قصة تراث وطن، وتجسد على التراث المعماري المحلي، ومن بين الحكايات، يبرز مشروع ولي العهد الذي انطلق في 2018 لتحسين هذه المعالم وظلها الثقافي، تحت عنوان (تطوير المساجد التاريخية)، ويسعى المشروع إلى ترميم 130 مسجداً تاريخياً، ليمنحها الحياة من جديد، ويعزز هويتها التراثية، ويستهدف المشروع تعزيز الهوية الثقافية للمملكة ومشاركة تراثها الحضاري مع دول العالم، وتعد المساجد التاريخية بمثابة إرث ثقافي يسير عن الهوية الإسلامية السعودية من خلال المشروع. كما يسعى المشروع إلى إبراز جماليات العمارة التقليدية ومعلمها الفريد.
إن الاهتمام والرعاية التي نراها تتحقق هذه الأيام لم يسبق لها مثيل، وهنا أود أن أنهي كلامي راجياً أن نستغل التقنيات الحديثة، ويتم تسخيرها بأسلوب سهل وممتع لتقديم معلومات تفاعلية عن مساجدنا التاريخية والأثرية تكون في متناول الزائر والمصلي تثري معلوماته وتجربة زيارته لهذه المساجد.
وفق الله القائمين على هذه المشاريع، وأعز الله قيادتنا ومكنها، وجزاها كل خير عن كل ما تقوم به من خدمة بيوت الله والحفاظ عليها، لتبقى الأساس في رسالة محافظتنا على تاريخنا وتراثنا وحضارتنا {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18) سورة الجن.