م. سطام بن عبدالله آل سعد
تعد العمارة إحدى الركائز الأساسية في تشكيل هوية المدن وتعزيز جاذبيتها، لكنها في السياق السعودي تتجاوز البعد الجمالي لتصبح رافعة تنموية متكاملة. فخريطة العمارة السعودية التي أطلقها سمو ولي العهد -حفظه الله- ليست مجرد مشروع حضري، إنما استراتيجية اقتصادية تسهم في تنويع مصادر الدخل والاستثمار، وتنهض بالقطاعات الحيوية مثل السياحة والضيافة والعقارات والإنشاءات.
يؤدي تبني الهوية المعمارية المحلية إلى خلق قيمة اقتصادية تصل إلى قطاعات متعددة. فعندما تعكس المباني هوية المكان وتنسجم مع بيئته، فإنها تقوي ارتباط السكان بمدنهم، وتزيد من جاذبيتها للزوار والمستثمرين، لأن المدن التي تمتلك هوية معمارية واضحة تصبح مقاصد سياحية، ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الفنادق، والمطاعم، والخدمات الترفيهية، مما ينعكس إيجابًا على معدلات الإنفاق السياحي. هذه الديناميكية لا تقتصر على السياحة فقط، بل تمتد إلى قطاع الضيافة والفعاليات، حيث تتحول المعالم المعمارية إلى نقاط جذب للأنشطة الثقافية والمؤتمرات، مما يطور الدورة الاقتصادية المستدامة للمدينة.
إنّ المدن التي تتمتع بعمارة متجانسة ومستوحاة من بيئتها الطبيعية والثقافية تجذب الاستثمارات العقارية طويلة الأجل. فالمستثمرون يبحثون عن بيئات حضرية مستقرة وجذابة، حيث يُؤدي وضوح الرؤية التصميمية في رفع قيمة العقارات وتقليل المخاطر. وعندما تكون هناك أسس تصميمية واضحة، يصبح التخطيط الحضري أكثر تنظيمًا، مما يزيد الثقة لدى المطورين العقاريين، ويدفعهم لتطوير مشاريع تواكب الرؤية الجديدة، سواء في الإسكان أو المجمعات التجارية والسياحية. هذا التوجه يساهم في زيادة الطلب على الأراضي والعقارات في المدن التي تتبنى الهوية المعمارية السعودية، مما ينعكس على أسعار العقارات وإيرادات البلديات، ويدفع عجلة التنمية الحضرية المتوازنة.
ووفقًا للتقديرات، من المتوقع أن تسهم العمارة السعودية بأكثر من 8 مليارات ريال في الناتج المحلي الإجمالي التراكمي بحلول 2030، إلى جانب توفير أكثر من 34 ألف وظيفة في قطاعات الهندسة والبناء والتطوير العمراني. هذا النمو سيقوم ببناء منظومة اقتصادية شاملة تدعم الشركات المحلية والمكاتب الهندسية، وتفتح آفاقًا جديدة للصناعات المرتبطة بمواد البناء التقليدية، ما يرفع الطلب على المنتجات المحلية ويقلل الاعتماد على المواد المستوردة، مما يحقق مكاسب اقتصادية على مستوى سلاسل الإمداد.
إعادة إحياء الطرز المعمارية السعودية بأساليب حديثة ليس عودة إلى الماضي، بل استثمار في مستقبل مستدام. فالدمج بين الهوية المحلية والابتكار يعزز كفاءة الطاقة، ويخفض تكاليف التشغيل، ويؤسس بيئة عمرانية متكاملة تلبي احتياجات الأجيال القادمة.
بهذا التوجه، تصبح العمارة السعودية ركيزة اقتصادية متكاملة، حيث تعمل على تحقيق الاستقرار العمراني، وتحفز التنوع الاقتصادي، مما يجعل المدن السعودية في موقع ريادي على خارطة الاستثمار العقاري والسياحي. كما تكرس هذه الهوية العمرانية الطابع الفريد للمدن السعودية، مما يمنحها مزيدًا من الحيوية والتنافسية على المستوى العالمي.
** **
- مستشار التنمية المستدامة