سهم بن ضاوي الدعجاني
لم يعد دور المتاحف مقصوراً على الحفاظ على التراث الوطني بمكوناته المادية وغير المادية، وتعزيز الهوية الوطنية، بل تجاوز هذا الدور التقليدي إلى فضاء أوسع وهو دعم التنمية الثقافية في المملكة على كافة المستويات، خاصة في ظل الحراك المتحفي الذي بات يخطو بشكل متسارع عبر مراحل انتقالية ضخمة لتعزز مكانة الوطن على الساحة الثقافية العالمية لتتحول تلك المتاحف الوطنية إلى منصات ثقافية حقيقية، توفر محتوى معرفيا متنوعا، يستقطب الجمهور المحلي والعالمي، وهذا يؤكده ما صرحت به الأميرة سارة بنت مشهور بن عبدالعزيز، حرم ولي العهد، عندما أعلنت قبل أيام إطلاق متحف مسك للتراث «آسان» والمتوقع بحول الله افتتاحه في السنوات القادمة في منطقة الدرعية تاج مناطقنا التراثية، عندما قالت: «نسعى لبناء جيل يعتز بتراثه ويعمل على صونه وإحيائه، من خلال المتحف الذي يحتوي على كل ما يدل على إرث وحضارة المملكة من قطع أثرية وعادات وقِيم مجتمعية، بحيث يتماشى المتحف مع أهداف استدامة الموروث في المملكة وإثرائه بما يتوافق مع الهوية السعودية، ليعكس الماضي والحاضر ويستمر في خدمة أجيال المستقبل»، الأميرة هنا جعلت من «الانسان السعودي» حجر الزاوية في الاعتزاز بالتراث وصونه وإحيائه، وبهذه الفلسفة العميقة ستصل برامج المتحف إلى سقف «الاستدامة الثقافية» بل ستصل بحول الله إلى أبعد من ذلك؛ ليشكل هذا المتحف القادم مرجعا ثقافيا سعوديا بمواصفات وأبعاد عالمية منافسة.
المتحف القادم سيضم مثل غيره من المتاحف العالمية: المعارض الدائمة والصالات الفنية وساحات الفنون التي تعكس تنوع وحيوية التراث السعودي، لكنه في لمسة إبداعية سيضم مجلسًا مخصصًا لتبادل الآراء والأفكار، وورش العمل للحوارات البنّاءة لإحياء التراث، ومساحات مخصصة لتعزيز النمو المهني والمعرفي في مجال حفظ التراث، وترميم وصيانة القطع والمقتنيات الأثرية والتراثية من خلال مختبر الترميم، ومجموعة متنوعة من البرامج والأنشطة التعليمية التي تهدف إلى توثيق وصون التراث وتجارب تفاعلية مستوحاة من التراث السعودي، مثل رسم نقوش الحناء، وتصميم العطور، والاستماع لسرد القصص التراثية، وصناعة الحرف اليدوية التقليدية؛ مما سيجعل المتحف واجهة عالمية مختلفة للمهتمين بشؤون التراث السعودي.
السؤال الحلم
متى سينجح «آسان» في تجاوز الهدف التقليدي للمحافظة على التراث السعودي، إلى فضاء إبراز تراثنا الوطني بطرق مبتكرة وأساليب معاصرة، تجعل منه «أيقونة» في عالم المتاحف السعودية، لا شك أن هذا سيتحقق عندما يتحول هذا المتحف الحلم الى فضاء حيوي يعزز التفاعل المجتمعي، من خلال استحداث تجارب تعليمية وترفيهية مبتكرة تستهدف جميع فئات المجتمع السعودي، بوضع خطة ثقافية شاملة بالتشارك مع وزارة الثقافة وزارة التعليم تسعى من خلالها إلى إبداع برامج ثقافية وتعليمية نوعية لإحياء صوت التراث السعودي داخل عقول الطلاب والطالبات حبا وتقديرا وعشقا للتراث في مختلف المراحل التعليمية بأبعاده الفنية والاجتماعية، مما سيخلق جيلا واعيا بدوره المحوري في الارتقاء بمهاراته تعليميًّا ومهنيا لتحقيق مستهدفات القطاع غير الربحي والمشاركة الفاعلة في رسم مستقبل «آسان» أحدث الجهات التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان (مسك)، ويتوافق في رسالته ورؤيته مع الجهود التي تبذلها مختلف الجهات العاملة في المنظومة الثقافية في بلادنا لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في صون التراث السعودي وتعزيز الحراك الثقافي والإبداعي، ليصبح بلا فخر صوت التراث السعودي في جميع أنحاء العالم، بل وتسويقه وتقديمه لأغراض الدراسة والتعليم والترفيه، مما يمنح بلادنا مكانتها الثقافية عالمياً بأعلى معايير الجودة من خلال «ASAAN» حارس التراث السعودي القادم.