د.عبدالعزيز الجار الله
يعد يوم الاثنين 27-1-2025م هو أحد أيام العودة في السجل الفلسطيني عودتهم من جنوب غزة إلى شمالها، كما يذكر بأيام النكبة عام 1948 ويذكر بالإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني أكتوبر 2023 وحرب الـ(15) شهراً على غزة، رحلة الـ(20) كيلو سيرا على الأقدام من جنوب غزة إلى شمالها على الطريق المحاذي لساحل غزة، إلى الجنوب من ممر نتساريم الذي يفصل محافظتي غزة والشمال عن وسط القطاع وجنوبه هي رحلة الأمل.
لا تغيرات، هم أنفسهم أهالي شمال غزة التي أجبرتهم إسرائيل في بداية الحرب في 8 أكتوبر على الرحيل من الشمال إلى ما يسمونه المناطق الآمنة، بقصد تهجيرهم إلى سيناء المصرية، تهجير قسري، وبناء مخيمات في سيناء، كما حدث في حروب 1948 و1967 في مخيمات الدول العربية: الأردن وسوريا ولبنان.
فتحت كاميرات المحطات التلفزيونية وأجهزة الجوالات العالمية صباح الاثنين على أهل غزة حاملين امتعتهم وأشياء قليلة مما تبقى لهم من الخيام والملابس والزيت والزعتر والزيتون، ورائحة اجسادهم المنهكة من حصار وحرب دام (15) شهرا راح جيل من الأطفال الرضع والأمهات الحبلى، استشهاد (50) ألف فلسطيني، والجرحى حتى الآن (150) ألف جريح، وتذكر بعض المصادر الطبية أن تحت الأنقاض نحو (10) الاف فلسطيني تحللت أجسادهم، لقد فقد أهل غزة وفلسطين جيلا من الأطفال والأمهات لا يعوض إلا بعد (30) سنة في الظروف الطبيعية، تعويض الأجيال يحتاج إلى وقت طويل واستقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي، لكن الإصرار الفلسطيني قد يكون أقوى من الظروف بإذن الله، فقد تعوَّد هذا الشعب الصابر على التحديات وعنجهية المحتل.
الجيش الإسرائيلي أمر السكان بالعودة سيرا على الأقدام إلى شمال غزة عبر طريق الرشيد بمحاذاة الساحل، وسمح بمرور و حركة المركبات عبر طريق صلاح الدين الداخلي بعد التفتيش من طواقم لجنة المراقبة الأمريكية والمصرية والقطرية، ومراقبة المعابر من قبل الاتحاد الأوربي بكوادر مدنية . فكانت المسيرة الجماعية نحو تراب الوطن شكل من أشكال الإصرار والصمود ورفض التهجير بعيدا عن الوطن.
أعتقد الشعب الفلسطيني أنه لن يعود للأرض التي يغادرها كما حدث في عام 48 عندما غادروا فلسطين التاريخية داخل الخط الأخضر، لكنهم اليوم يعودون لغزة مدمرة ومحطمة لا ماء ولا كهرباء ولا طعام يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويشربون ماء المطر، حتى المنظمات الطبية والإغاثة العالمية لم تكن معهم في أيامهم الثلاث الأولى. لكن رغم المعاناة وأيام وشهور الألم الفلسطيني، قبلوا بالأمر، وانتظروا الفرج والعون من الله، أنما المخاوف الحقيقية عندما تنتهي مدة الهدنة سيأتي اليوم (التالي) وتبدأ إسرائيل حربها لأن اتفاق وقف الحرب كان اتفاق حكومة الديمقراطيين حكومة الرئيس بايدن، وهذه الحكومة السابقة غادرت الرئاسة، وللحكومة الجديدة الرئيس ترامب أقوال أخرى منها التهجير وتفريغ غزة وصفقة القرن، فقد قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد 26 يناير 2025 إنه يرغب في أن تقوم كل من الأردن ومصر بإيواء مئات الآلاف من الفلسطينيين إما مؤقتا وإما «طويل الأمد». كما قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلغاء أمر سابق من إدارة جو بايدن بتعليق تزويد الاحتلال الإسرائيلي بنوع من القنابل الثقيلة، وأن البيت الأبيض أصدر تعليمات لإلغاء تعليق فرضته إدارة بايدن على تزويد الاحتلال بقنابل زنة ألفي رطل، وتم رفع التعليق الأميركي لتزويد إسرائيل بقنابل زنة 2000 رطل. وهذه ليست مصادفة؛ فالأسلحة لا تصنع إلا للحرب، وهذا النوع من القنابل زنة 2000 رطل لغرض تدمير مساحات وأعداد كبيرة من البشر والأراضي.