جانبي فروقة
تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية قائمة مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2024م (ويحلل المؤشر بشكل شامل الجهود المبذولة والاستراتيجيات الوطنية ويقيم حجم الإنفاق الحكومي على الذكاء الاصطناعي ومستوى البحث العلمي والبنية التحتية) وأتت المملكة العربية السعودية الأولى عربياً (وفي المرتبة 14 عالمياً) والإمارات العربية المتحدة الثانية عربياً (والمرتبة 20 عالمياً).
ومؤخراً أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استثمار ضخم بقيمة 500 بليون دولار في مشروع جديد اسمه «ستارغيت» «STARGATE» والذي يعد أضخم مشروع في العالم لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وسيجمع هذا المشروع تحت جناحه عمالقة التكنولوجيا مثل أوبن أي آي (Open AI) وسوفت بنك (Softbank) وأوراكل (Oracle) وهذا التحالف الجديد سيؤمن 100 ألف فرصة عمل جديدة.
وأشارت شركة أوراكل في مؤتمر صحفي، أن هناك بالفعل مراكز بيانات قيد الإنشاء في تكساس، حيث يقع أول مركز في أبيلين. وأضاف أن الهدف هو بناء 10 مراكز بيانات في البداية، مع خطط للتوسع إلى 20 موقعًا تبلغ مساحة كل منها حوالي نصف مليون قدم مربع. وسلط المتحدث من أوراكل على قدرة الذكاء الاصطناعي على المساهمة في تطوير مجالات الحياة وعلى سبيل المثال في مجال الرعاية الصحية يمكن للذكاء الاصطناعي الكشف المبكر عن السرطان من خلال فحص الدم وكشف تسلسل جين الورم الجيني وكما يمكن تطعيم الشخص ضد السرطان وصنع لقاح mRNA آليا باستخدام الذكاء الاصطناعي في غضون 48 ساعة.
يتوقع الخبراء في عام 2030 م أن تحتاج مراكز البيانات التي تشهد نموا متسارعا في تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى ما بين 600 إلى 800 تيرا واط/ ساعة سنويا وهذا سيمثل حوالي 4 إلى 5 % من إجمالي الطلب العالمي على الكهرباء مقارنة بالنسبة الحالية التي تتراوح بين 1 - 2 %.
يستهلك كل جيل جديد من الرقائق طاقة أكبر من الجيل السابق فعلى سبيل المثال تقدم رقاقة Nvidia H100 أداءً أعلى بشكل كبير مقارنة بـA100، ولكن ذلك يأتي بتكلفة استهلاك طاقة أعلى بكثير، خاصة في إصدار SXM. ويرجع هذا الارتفاع في استهلاك الطاقة إلى قدرات الحوسبة المعززة التي تم تصميمها لدعم مهام الذكاء الاصطناعي الأكثر تعقيداً، مثل تدريب نماذج اللغة الكبيرة. وأيضا إنفيديا Blackwell B200: يُتوقع أن تستهلك حتى 1.200 واط، بينما GB200 تصل إلى 2.700 واط، مما يمثل زيادة بنسبة 300 % خلال جيل واحد من وحدات معالجة الرسوميات. وفي مثال آخر نجد أن إنتل Gaudi 3 تستهلك 900 واط، مقارنة بـ600 واط للجيل السابق.
فمع انتقال الذكاء الاصطناعي من تقنية ناشئة إلى تقنية أساسية يتزايد الطلب على الكهرباء بسرعة مع نمو الذكاء الاصطناعي وأصبحت كفاءة الطاقة لكل شريحة مجالا رئيسيا للمنافسة مستقبلا.
يبدو أن الذكاء الاصطناعي هو حجر الزاوية في العصر الذهبي لأمريكا في عهد الرئيس العائد للبيت الأبيض ترامب ومبادرة ستارغيت هي استثمار لتعزيز ريادة الولايات المتحدة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي وتتجاوز فوائد مشروع ستارغيت الأبعاد الاقتصادية لتشمل الأهداف السياسية والأمنية. فهو يهدف إلى منع اعتماد أمريكا على البنية التحتية الأجنبية للذكاء الاصطناعي والحفاظ على التفوق التكنولوجي لأمريكا ضد المنافسين ولا سيما الصين. ويهدف ترامب إلى استخدام مخزون البلاد الضخم من احتياطيات الطاقة لتشغيل النمو، وخاصة في المناطق التي تحاول فيها الولايات المتحدة تأمين الهيمنة العالمية. ستوفر البنية التحتية قدرات حاسمة لتطبيقات الأمن القومي، مثل تحسينات الأمن السيبراني، وأنظمة الدفاع المستقلة، والمراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. كما ستساعد في حماية أمريكا من انقطاعات سلسلة التوريد المحتملة بسبب الأحداث العالمية مثل جائحة كوفيد - 19.
يعد مشروع ستارغيت أكثر من مجرد مبادرة للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي؛ فهو استراتيجية اقتصادية شاملة تهدف إلى تعزيز التوظيف والابتكار والتنافسية الوطنية. من خلال الاستفادة من قوة القطاع الخاص وتوجيهها نحو المصالح الوطنية، وكما أسلفنا يُتوقع أن يُرسخ ستارغيت ريادة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي القائم على الذكاء الاصطناعي، مع تحقيق فوائد اقتصادية واسعة النطاق.
وستارغيت ليس مجرد استثمار محلي للولايات المتحدة، بل هو منصة يمكن أن تغير مسار العالم من خلال تمكين الابتكار التكنولوجي وتسريع وتيرة التطور، وتعزيز الاستدامة، وتحسين نوعية الحياة عالميًا من خلال تسخير التكنولوجيا لمعالجة مشكلات العالمية المعقدة مثل التغير المناخي والرعاية الصحية والأمن الغذائي وإدارة الأزمات وتعزيز الأمن السيبراني العالمي وسيصبح المشروع حجر الأساس لدعم البحث العلمي والتعاون الدولي لبناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة وأمنا للجميع.
وتواجه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تحديا كبيرا في ندرة المواهب ونقص حاد في المهارات فوفقا لتقرير صادر عن شركة Korn Ferry قد تواجه بحلول 2030م نقصا يصل إلى 6.5 مليون عامل مما قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية تصل إلى 1.7 تريليون دولار سنويا وكذلك يقدر الخبراء أن يصل النقص الحاد في المواهب في قطاعات حيوية ومنها التكنولوجيا في أوربا إلى 8 ملايين عامل بحلول أيضا 2030 م والذكاء الاصطناعي وحده يمكن أن يساعد في سد هذه الفجوات.
** **
- كاتب أمريكي