منال الحصيني
السرعة عدوة الإنسان، على الرغم من تفانيه في إيجاد ثورات مستحدثة تجعل الحياة أكثر تطورًا وبسرعةٍ قياسية، حتى باتت التكنولوجيا العقل المدبر للبشر.
لست أميل إلى عدم مواكبة العصر، فالعالم في تطور تكنولوجي يدعو للذهول، وسأكون صاحبة عقل حجري إن تجاهلت ذلك! فلا جدال في أن الثورة التكنولوجية خدمت البشرية بشكل كبير على جميع الأصعدة.
أصبحت الحياة متسارعة بأعلى وأدق المقاييس، وبات كل شيء يُدار من خلالها، حتى أصبح العقل البشري يميل للجمود وعدم التعمق في التفكير، مما يُخشى معه على الأجيال القادمة من الجهل.
أذكر جيدًا أنني كنت أعرف مساحة موريتانيا، وعدد سكان مصر آنذاك، وكم تبلغ مساحة الربع الخالي بالكيلومترات، بينما في الوقت الراهن أصبحت المعلومة تُستنبط بمحادثة صوتية عبر الذكاء الاصطناعي، يتلقاها الأطفال والمراهقون ثم سرعان ما تُنسى. فإنسان بلا أخطاء ليس إلا إنسانً لم يحاول فعل شيء، وتلك هي الحقيقة المؤلمة للأجيال القادمة.
أشبه ما يمرون به بما يُعرف بـ»التعلم الكامن»، الذي يعتمد كليًا على معرفة الأشياء والأصوات من خلال وسائل المرح الإلكترونية، وربطها لاحقًا لتصبح جزءًا من العملية التعليمية لديهم، وهذا أمر خطير، لأن التعلم الكامن لا يُغني عن التعلم الصريح. وقد أُجريت العديد من الدراسات حول ذلك، وأثبتت أن العقل البشري يحتاج إلى التفكير والاستنتاج والحفظ.
قديمًا، كان لكل شيء قيمته ومتعة خاصة في وقته ومرحلته المناسبة. أما الآن، فنادرًا ما نجد الأطفال يلعبون بطاقة بدنية كما في السابق، فقد استُبدلت الأرجوحة بأجهزة إلكترونية زادت من معدلات الإصابة بقصر النظر بشكل كبير لدى الأطفال في العالم أجمع. قُتلت براءة الأطفال وزاد الانعزال، فالممنوع أصبح متاحًا. ولكن، هل فكر الآباء أن تلك هي أعراض متلازمة الشاشات الإلكترونية؟
اندثر مفهوم «المكتبة»، ولست أقصد بذلك عدم مواكبة العصر، فما زالت المعرفة متاحة بما يواكب الحياة وعصر الرقمنة.. ولكن هل نقرأ؟ فُقد شغف البحث في فضاءات القراءة عن تلقي المعلومة، حتى أصبحنا نميل إلى الكسل الذهني، فما نريده نبحث عن خلاصته فقط من خلال التكنولوجيا، دون أدنى جهد لمعرفة تسلسل أحداثه وماهيته.
انحصر دور «المثقف»، ذلك الإنسان النهم، صاحب العلم الواسع بشتى حقول المعرفة، المتتبع لكل ما يجري حوله على نطاق معلوماتي، فلم يعد للذكاء الاصطناعي متعة في الحوار والنقاش معه كما كان في السابق.
«التعفن العقلي»-تلك الحالة الضبابية والخمول الذهني الذي يصيب الإنسان نتيجة الإفراط في النظر إلى الشاشة أو استهلاك المحتوى القصير والسريع على منصات التواصل الاجتماعي، مما يستنزف العقل هو ما أخشاه حقًا. ان يكون الذكاء اصطناعيا.