خالد بن حمد المالك
غداً يُفتح باب مجلس النواب اللبناني لدخول النواب لاختيار رئيس للبلاد، بعد عامين وشهرين وطول انتظار، وفشل في 13 جلسة للاتفاق على رئيس خلفاً لميشيل عون، الذي ترك البلاد في مهب الريح، دون أن يسمح بتشكيل وزارة أصيلة وليس وزارة لتصريف الأعمال خلال الفراغ الرئاسي الدستوري بعد انتهاء ولايته.
* *
إفشال اختيار الرئيس في الجلسات السابقة كان يقوم به حزب الله بالتضامن مع حركة أمل وكتلة التيار الوطني الحر، بإصرارهم على أن يكون الرئيس سليمان فرنجيه هو المرشح الوحيد للرئاسة، وأن لا فرصة لغيره.
* *
الآن تغيَّرت المعادلات، والمناورات، ومراكز القوة، والظروف، بعد هزيمة حزب الله، وتقويض مصادر قوته البشرية والعسكرية، وإسقاط نظام بشار الأسد، وتراجع قوة وتأثير إيران، وأصبح الطريق بذلك ممهداً لاستبعاد فرنجيه، وفتح المجال أمام مرشحين آخرين يتم التوافق على واحد منهم.
* *
قائد الجيش جوزيف عون الذي كان يجد معارضة من حسن نصرالله وبري وباسيل، أصبحت فرصته مواتية ليكون رئيساً للبلاد، كما أن سمير جعجع الذي لم تكن له أي فرصة وحظوظ ليقدِّم نفسه مرشحاً للرئاسة، هو الآن ضمن الأسماء المرشحة التي سيتم الاقتراع عليها، حتى وإن كانا غير مقبولين من الثنائي أمل وحزب الله، وهناك غيرهما قد يتقدمون كمرشحين للرئاسة.
* *
وسيظل مجلس النواب مفتوحاً، وجلساته متواصلة دون انقطاع، ما يعني أن هناك جدية في اختيار الرئيس، وقد تكون الجولة الثانية كافية لفوز مرشح ليكون رئيساً للبنان بالتصويت من بين القائمة المرشحة للانتخابات، إذا ما فشلت الجولة الأولى على توافق خلال الجلسة، أو قبلها.
* *
هناك أطراف أخرى تحاول أن تقرِّب وجهات النظر بين الفرقاء، بما يسمح بتمرير أحد المرشحين ليكون رئيساً للبلاد، ويتم تداول اسم المملكة بين اللبنانيين على أنها الوسيط المؤثِّر والنزيه، والتي تقف على مسافة واحدة من الجميع، دون أي ضغوطات منها لتحديد اسم من بين المرشحين، وترك ذلك للبنانيين.
* *
ودولياً هناك جهد فرنسي، وآخر أمريكي، وضغوط من أجل إنهاء النزاع الدستوري الذي عانى منه لبنان، بجعله في وضع اقتصادي وأمني وسياسي معطَّل للحياة في البلاد، دون رئيس وحكومة، مع استشراء الفوضى والفساد.
* *
إضعاف حزب الله عسكرياً وبشرياً وخروج سوريا من أي دور بعد سقوط بشار الأسد هي الورقة الرابحة في إنجاز ما كان يستحيل إنجازه في اختيار الرئيس، حين كان حزب الله في أوج قوته قبل أن يتلقى الهزيمة الموجعة من إسرائيل، وخروجه من مواقع قوته، بما فيها ما كان يسيطر فيه على مفاصل الدولة، وتسلحه إيران عسكرياً بأقوى مما لدى الجيش الوطني.
* *
هذه الانتخابات تأتي ولم يبق على تسلّم الرئيس الأمريكي ترامب مهامه ومسؤولياته سوى 12 يوماً، واختيار هذا التوقيت لاجتماع مجلس النواب لم يأت مصادفة، وإنما عن حسابات وتقديرات قدَّرها رئيس مجلس النواب وحلفاؤه، ولعل مسرحية تعطيل انتخاب الرئيس تنتهي بانتهاء هذا اليوم، ليبدأ لبنان مشواره في التعافي من خلال العودة إلى حضنه العربي، وإلى ما كان عليه قبل سيطرة إيران باستخدام حزب الله ذراعها في لبنان.
* *
ولا يمكن إغفال أن هناك ضبابية حتى الآن في مواقف الأحزاب، وأن الخلافات لا زالت قائمة بين القوى السياسية، ومع هذا فقد تكون هناك مفاجآت، فالدور الدولي والإقليمي سيكون حاضراً لمساعدة اللبنانيين على تجاوزه هذه الأزمة، ودفعهم وتشجيعهم لتحمّل المسؤولية في إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري المهم.